مدخل إلى الحكومة الإلكترونية
يعيش العالم اليوم في عصر التكنولوجيا الرقمية، حيث يتطور الاتصال وتبادل المعلومات بشكل وفعال، وفي هذا السياق ظهر مفهوم الحكومة الإلكترونية وسيلة لتحويل وتطوير العمل الحكومي عن طريق استخدام التكنولوجيا وتوفير الخدمات الحكومية عبر الإنترنت.
تهدف الحكومة الإلكترونية إلى تحسين العملية الحكومية وتوفير خدمات أكثر كفاءة وشفافية للمواطنين. تعتمد هذه الحكومة على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للتفاعل والتواصل بين الحكومة والمواطنين، وبين الجهات الحكومية المختلفة ذاتها.
من أهم الفوائد التي توفرها الحكومة الإلكترونية هي توفير الوقت والجهد للمواطنين، فبدلًا من الحاجة إلى الانتقال إلى المكاتب الحكومية وتقديم الأوراق والمستندات الضـرورية شخصيًا، يمكن للمواطنين الوصول إلى الخدمات الحكومية عبر الإنترنت من أي مكان وفي أي وقت، حيث يمكن للمواطنين تقديم طلباتهم ومعاملاتهم الحكومية ومتابعتها عبر منصات إلكترونية مختلفة.
بالإضافة إلى ذلك تسهم الحكومة الإلكترونية في تحسين الشفافية ومكافحة الفساد، حيث يجري توثيق العمليات والمعاملات الحكومية عبر الإنترنت فيقلل من فرص التلاعب والتزوير، بالإضافة إلى توفير معلومات وبيانات الحكومة بشكل شفاف ومتاح للجمهور، فيعزز الشفافية والمساءلة الحكومية.
تواجه الحكومة الإلكترونية تحديات معينة، بما في ذلك توفير الأمان وحماية البيانات الحكومية وبيانات المواطنين؛ لذا يجب وضع نظم أمان قوية وآليات لحماية البيانات من الاختراقات والهجمات السيبرانية، كما يجب التأكد من توفير التكنولوجيا اللازمة والتدريب المناسب للموظفين الحكوميين لضمان فهمهم واستخدامهم الفعال للأدوات والتطبيقات الإلكترونية.
بالإضافة إلى ذلك يجب أن تكون الحكومة الإلكترونية شاملة ومتاحة لجميع شرائح المجتمع بصـرف النظر عن الجنس، العمر، الجنسية أو القدرات الفنية، كما يجب توفير واجهات مستخدم سهلة الاستخدام ومتوافقة مع مختلف الأجهزة والتقنيات لضمان قدرة جميع المواطنين على الوصول إلى الخدمات الحكومية بكل يسر.
يمكن القول: إن الحكومة الإلكترونية تعد تحولًا مهما في طريقة تقديم الخدمات الحكومية وتفاعل الحكومة مع المواطنين، ومع استمرار التطور التكنولوجي، ستستمر الحكومة الإلكترونية في التطور والتحسين لتلبية احتياجات المجتمع وتطلعاته في العصر الرقمي.
أدى ظهور اقتصاديات المعرفة والاستخدام الواسع النطاق لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في قطاع الأعمال إلى زيادة الضغط على الحكومات لتنفيذ الحكومة الإلكترونية في منصات تقديم الخدمات العامة الخاصة بها، وبسبب الكفاءات التي نتجت عن اعتماد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات واستخدامها بشكل مناسب في الشـركات وغيرها من كيانات القطاع الخاص، أصبحت الحكومة الإلكترونية شرطًا لا غنى عنه للحوكمة سريعة الاستجابة والشفافة، ويُنظر إليها على أنها أحد أهم مكونات القدرة التنافسية الوطنية [1]، وقد توج ذلك بدعوة أكبر للحكومات في العالم المتقدم والعالم النامي على حد سواء لتعزيز استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في أطر تقديم الخدمات العامة الخاصة بها.
هناك العديد من الاختلافات بين أنظمة الحكومة التقليدية والحكومة الإلكترونية، حيث ينطوي تنفيذ الحكومة الإلكترونية على التفاعل بين الحكومة والمواطنين والشـركات عن طريق منصات الإنترنت، ولذلك فإن الفرق الرئيس بين الحكومة التقليدية والحكومة الإلكترونية هو أن الأخيرة تستخدم أشكالًا مختلفة من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتمكين المواطنين والشـركات من الوصول إلى المعلومات والخدمات الحكومية على نطاق واسع.
في الحكومة التقليدية يكون الوصول إلى الخدمات الحكومية بزيارة مقار الحكومة التي تقدم الخدمات فعليًا، وبصـرف النظـر عن الحاجة لزيارة مكتب فعلي للوصول إلى الخدمة فإن الأنظمة الحكومية التقليدية تجري معظم عملياتها التجارية يدويًا على الورق ولها ساعات تشغيل محدودة.
بينما تقدم الحكومة الإلكترونية نفسها منصة، حيث يمكن للمواطنين عبرها الوصول إلى الخدمات والمعلومات الحكومية باستخدام الإنترنت وشبكات الاتصال المحلية في أي مكان وفي أي وقت بما يناسب عملاء الحكومة الإلكترونية [2]، وقد يجري تقديم معظم الخدمات الحكومية عبر الإنترنت اعتمادًا على مدى نضج الحكومة الإلكترونية التي يجري تشغيلها.
جذر الحكومة الإلكترونية هو «الحكومة»، ومن المهم أن نفهم ما هي الحكومة حتى ندرك المعنى الكامل للحكومة الإلكترونية. كلمة "حكومة" أصلها يوناني ويعني "توجيه"[3]، وعلى نطاق واسع، تشير إلى هيئة تتمتع بسلطة سن القوانين وسلطة إنفاذها داخل المنظمات المدنية والشـركات والدينية والأكاديمية وغيرها[4].
إن الفهم المعاصر للحكومة يأخذ نهجًا تشاركيًا حيث يشارك المواطنون وغيرهم من أصحاب المصلحة في التنمية وفي عمليات صنع القرار وتوجيه المشاريع الاجتماعية والاقتصادية، ومع هذا التحول النموذجي يأتي مفهوم الحكومة المتصلة، ويستلزم الحكومة المتصلة أو المتصلة بالشبكة ربط الجوانب أو الكيانات المختلفة للبنية التحتية للحوكمة معًا، وهذا يعني أن ظهور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في منصات الحوكمة يزيد من تعزيز هذا المفهوم.
ومع الفوائد المتوقعة من التنفيذ الفعال للحكومة الإلكترونية أدركت الحكومات وغيرها من واضعي السياسات والقوانين المستقلين أهمية الحكومة الإلكترونية كأداة قوية للحوكمة سريعة الاستجابة والشفافة[5]. ومن المعروف تقليدياً أن العديد من الحكومات كانت تستخدم أساليب الورق والملفات في إدارة أعمالها، وقد ثبت أن هذا غير ملائم فيما يتعلق بالمساءلة[6].
شهد العالم مؤخرًا تحولًا نموذجيًا، حيث تتم الآن غالبية معاملات الحكومات وتفاعلاتها مع المواطنين والكيانات التجارية والشـركاء من القطاع الخاص على المستوى المحلي (اللامركزية)، وهذا يحتاج لوضع آليات تسمح بأقصـى قدر من التعاون والحكم التشاركي بمشاركة المواطنين العاديين والحكومة عن طريق الوسائل المناسبة قدر الإمكان، وتتمثل إحدى هذه الوسائل في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تقديم الخدمات العامة بكفاءة.
وقد أدى ذلك إلى التحول من نظام الحوكمة الورقي التقليدي إلى أنظمة الحوكمة غير الورقية، حيث يجري تنفيذ جميع التفاعلات بين الحكومة والمواطنين أو الشـركات إلكترونيًا عبر الإنترنت. يستلزم تنفيذ الحكومة الإلكترونية أن تتمكن الدولة من المشاركة بشكل إيجـابي في عصـر المعلومات والمعرفة والتكنولوجيا الناشئ[7].
يوجد العديد من التعريفات للحكومة الإلكترونية، أبسطها: الحكومة الإلكترونية استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إدارة الحكم وتقديم الخدمات في بلد ما، ومن ثَمَّ فإنه يسهل استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التفاعل بين الحكومة والمواطنين والشركات.
ومن الجدير بالذكر أن جميع تعريفات الحكومة الإلكترونية تكمن في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تقديم الخدمات العامة للمواطنين والشـركات ضمن نطاق معين من المجالات كما هو موضح في جدول (1)، ونخلص إلى التعريف الأنسب للحكومة الإلكترونية هو:
استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتعزيز التفاعل بين مختلف الجهات الفاعلة (الحكومة والمواطنون والشـركات) في سلاسل القيمة الاجتماعية والاقتصادية من أجل تعزيز عملية صنع القرار التشاركية، والحد من الفساد، وتسهيل تقديم الخدمات العامة بشكل أسهل وأكثر كفاءة، والتصويت الإلكتروني والشمول الاجتماعي[13].
وتعد الحكومة الإلكترونية أحد مكونات تعزيز الديمقراطية والمؤسسات، وتعزيز الإنتاجية في الخدمات العامة، وتشجيع مشاركة المواطنين عن طريق منصة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مختلف قضايا التنمية الوطنية، وتسهيل الاندماج الاجتماعي. في جوهر الأمر تؤثر الحكومة الإلكترونية في ثلاث مجالات مختلفة من التسلسل الهرمي للحوكمة: الحكم والاقتصاد والمجتمع، جدول (1) يوضح المجالات الواقعة ضمن نطاق الحكومة الإلكترونية.
يعود نشأة الحكومة الإلكترونية إلى الدافع لتعزيز وصول المواطنين إلى المعلومات الحكومية والخدمات العامة عبر منصات الإنترنت في أي وقت وأي مكان. إن الفهم الأساسي لدى الحكومات هو أنه عندما تكون المعلومات متاحة للعامة، فإن المواطنين سيشاركون على مستويات مختلفة من التسلسل الهرمي للحكم وهناك ثقة معززة في مؤسسة الحكم بأكملها.
وتنبع - أيضًا - من عالم الأعمال، حيث جرى تحفيز الحكومات في جميع أنحاء العالم على تنفيذ الحكومة الإلكترونية بالنظر إلى الشـركات التي استخدمت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عالميًا في عملياتها التجارية، ومن ثَمَّ حققت مستويات أعلى من الفاعلية والكفاءة، ومن ثَمَّ بدأت الشـركات والمواطنون وأصحاب المصلحة في التنمية في تكثيف الضغوط على الحكومات لتوظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات - أيضًا - بهدف تحسين تقديم الخدمات العامة والمساءلة وغرس الشمول الاجتماعي في نماذج الحوكمة الخاصة بهم[14].
يمكن الافتراض أن الدوافع المحددة لتنفيذ الحكومة الإلكترونية في جميع أنحاء العالم ليست متجانسة. جدول 2 يوضح الدوافع لتنفيذ الحكومة الإلكترونية.
لا توفر الحكومة الإلكترونية منصة يمكن عن طريقها للمواطنين والشركات المختلفة التواصل مع الحكومة فحسب، بل تمكنهم - أيضًا - من المشاركة في عمليات صنع القرار بشأن القضايا ذات الأهمية الوطنية، كما أنها تقلل من تكلفة تقديم الخدمات العامة، وتشجع وتمكّن الديمقراطية التشاركية والاندماج الاجتماعي (يمكن للمواطنين المشاركة في صنع القرار بصـرف النظر عن وضعهم الاجتماعي والاقتصادي، حيث سيكونون على اطلاع بالمعلومات والسياسات الحكومية)، وتقلل الفساد، وتسهل نظامًا فعالًا لتقديم الخدمات العامة[15].
جرى تحسين تقديم الخدمات العامة من خلال الحكومة الإلكترونية من خلال توفير منصة حيث يمكن للإدارات المختلفة التواصل ودمج خدماتها من خلال تعميم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في سلاسل القيمة التجارية الخاصة بها [16].
توجد العديد من الدراسات التي تقيم العوائد الإيجابية لتنفيذ الحكومة الإلكترونية، التي أبرزت الآثار الإيجابية الكبيرة لقدرة الحكومة الإلكترونية على تقديم الخدمات العامة، وكذلك في المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي[17].
وقد وثقت العديد من الدراسات الفوائد المرتبطة بالتنفيذ الناجح لمبادرات الحكومة الإلكترونية على النحو الآتي:
إن الاستخدام الواسع النطاق لخدمات الحكومة الإلكترونية قد يخلق قيمة من جانب المواطن ومجتمع الأعمال من حيث التكلفة والراحة. قد تشمل أمثلة الحكومة الإلكترونية تطبيق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) للوصول إلى الخدمات الحكومية، مثل طلب جوازات السفر، وتجديد رخص القيادة، والوصول إلى وثائق السياسة والقانون، والاستفادة من المنصات والمنتديات التفاعلية للتواصل مع القادة السياسيين. والوصول إلى الخدمات الحكومية في أي مكان وأي وقت، وهذا يستلزم أن يتمكن المواطنون من المشاركة بشكل تعاوني في صنع القرار والسياسات عن طريق استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (المشاركة الإلكترونية). علاوة على ذلك فإن تنفيذ الحكومة الإلكترونية يمكّن المواطنين والشـركات من الوصول بكفاءة وفي الوقت المناسب إلى المعلومات والخدمات، مثل (الوصول إلى فرص الأعمال في القطاع العام، واستخدام قنوات المشتريات الإلكترونية، والتجارة الإلكترونية).
إن الوصول إلى فرص الحكومة الإلكترونية هذه قد يغير التصور العام للناس عن الحكومة الذي كان دائمًا هو أن الحكومات عبـارة عن مؤسسات بيروقراطيـة معقدة وضخمة ذات بنية تحتية معلوماتية مفككة مما يجعل الوصول إلى المعلومات والخدمات العامة مرهقًا ومحبطًا[29].
وبخلاف التأثيرات الإيجابية في المواطنين الأفراد فإنَّ تحقق الحكومة الإلكترونية - أيضًا - عددًا لا يحصـى من الفوائد من جانب الشـركات، عندما يكون تنفيذ الحكومة الإلكترونية بنجاح لتكون بمقام إدارة معلومات بين الحكومة وكيانات الأعمال المختلفة، فإنها تخلق إحساسًا وقيمة تجارية؛ بحيث تعزز العلاقات والثقة بين الحكومـة والشـركات المختلفـة، ويبين جدول 3 الفوائد المختلفة للحكومة الإلكترونية الناجحة من جانب الشركات والحكومة نفسها[30].
إن الفوائد المختلفة الموضحة سابقًا ليس لها أي معنى إذا لم يشارك المواطنون بشكل فعال في تطبيق الحكومة الإلكترونية، حيث إنَّ الثقة في الحكومة بشكل عام ومنصات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات هي التي تملي مشاركة المواطنين أو عدم مشاركتهم في تطبيقات الحكومة الإلكترونية. إن تآكل ثقة المواطنين في الحكومة بسبب الفساد على مختلف المستويات في الحكومة يجب أن يكون مجالًا مثيرًا للقلق الشديد، ويجب معالجته إذا جرى تطوير مشاريع الحكومة الإلكترونية بعيدة المدى[31].
يمكن لاستراتيجية الحكومة الإلكترونية المصممة جيدًا أن تؤدي إلى حكومة أكثر كفاءة ومساءلة وشفافية. إذا تم التخطيط لتطبيقات الحكومة الإلكترونية بالتشاور مع ممثلي أصحاب المصلحة الرئيسين فيمكنها إعادة بناء ثقة المواطنين في الحكومة عن طريق تحسين تقديم الخدمات والحد من الفساد وتمكين المواطنين من المشاركة في تعزيز الحكم الرشيد، ومن الحقائق المعروفة أن هناك عاملين رئيسين يساهمان في نمو الفساد هما انخفاض احتمال اكتشافه، والحصانة المتصورة ضد الملاحقة القضائية. السرية في الحكومة، والقيود المفروضة على وصول المواطنين ووسائل الإعلام إلى المعلومات، والقواعد والإجراءات واللوائح غير المحددة والمعقدة والمفرطة، يمكن أن تؤدي جميعها إلى انخفاض فرصة الاكتشاف[32].
إن ضعف طبيعة المؤسسات التي من المفترض أن تحقق في اتهامات الفساد وتحاكم المذنبين، فضلًا عن عدم كفاءة القضاء أو فساده، يزيد من تفاقم مشكلة الفساد ويسهل حصانة مرتكبيه من الملاحقة القضائية. إن التنفيذ المناسب للحكومة الإلكترونية يعطي الأمل فيما يتعلق بجميع جوانب الفساد المختلفة.
تعد الحكومة الإلكترونية عامل التمكين الرئيس للتنمية الاجتماعية والاقتصادية [33]، وهذا يستلزم أن يكون لها بعد اقتصادي إضافة للبعد الاجتماعي التقني، ويتحقق هذا البعد الاقتصادي في الغالب عن طريق توفير المال والوقت على الشـركات والمواطنين والجانب الحكومي عن طريق التنفيذ الناجح لعمليات الأعمال الحكومية باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومن المنطقي القول: إن تنفيذ الحكومة الإلكترونية سوف يتوج بتسخير العديد من المزايا الاقتصادية. تعرض القائمة الآتية المزايا الاقتصادية المختلفة للتنفيذ الناجح للحكومة الإلكترونية:
ومع ارتفاع مستويات الفساد في معظم دول العالم النامي قد يوفر تنفيذ الحكومة الإلكترونية منصة يتم عن طريقها اتخاذ القرارات في الفضاء المفتوح ومن ثَمَّ تقليل الفساد إلى حد كبير[40]. تسلط القائمة الآتية من الدراسات التجريبية الضوء على تأثير تنفيذ الحكومة الإلكترونية في مكافحة الفساد ووصول المواطنين العاديين إلى المعلومات، وتتمثل هذه الدراسات في: [41]
تشير النقاط الموضحة أعلاه إلى حقيقة أن التنفيذ النشط للحكومة الإلكترونية يقطع شوطًا طويلًا في تخفيف مستويات الفساد في العمليات التجارية الخاصة بتقديم الخدمات العامة، وعلى الرغم من ذلك فإن الحكومة الإلكترونية ليست علاجًا سحريًا للمشاكل المتأصلة في التسلسل الهرمي لتقديم الخدمات في القطاع العام، على سبيل المثال: أظهر تنفيذ الحكومة الإلكترونية في إحدى الدوائر الحكومية في الهند أن عدد الرشاوى المسجلة قد زاد بالفعل، وعلى وجه التحديد أظهر تقييم تأثير استراتيجية الحكومة الإلكترونية الذي أجري في الهند أن هناك زيادات في الرشاوى في الإدارات التي تتعامل مع حوسبة جوازات السفر، في حين أظهرت حوسبة وزارة شؤون الشـركات علامات على انخفاض الرشاوى [48]، وهذا يوضح الحالة التي تتوج فيها الحكومة الإلكترونية بنتائج مختلفة في بيئات سياقية مختلفة.
ولتجميع الفوائد المذكورة أعلاه من المهم أن تكون هناك مستويات ثقة مناسبة في الحكومة الإلكترونية والحكومة نفسها، بالإضافة إلى التخفيف من حدة الفساد في سلاسل قيمة تقديم الخدمات في القطاع العام، فإن مبادرة تعزيز الإجراءات عبر الإنترنت للتطبيقات المدنية (OPEN) في كوريا الجنوبية ومشـروع بهومي في الهند هدفت إلى إظهار أثر الثقة في تشجيع مشاركة المواطنين في تطبيقات الحكومة الإلكترونية.
في الحكومة الإلكترونية هناك عاملان يجب الموازنة بينهما؛ من أجل حدوث تطور مناسب للحكومة الإلكترونية، العامل الأول هو جانب العرض: هناك حاجة إلى تنفيذ التدخلات والاستراتيجيات والبرامج اللازمة بناءً على الخصائص السياقية المحلية، أما العامل الثاني فهو جانب الطلب، حيث يجب على المواطنين الأفراد والشـركات أن يكونوا على دراية بحلول وتطبيقات الحكومة الإلكترونية المتاحة وأن يكونوا قادرين على اعتمادها واستخدامها.
وبشكل عام تنقسم العوامل المختلفة التي تؤثر على تبني واعتماد الحكومة الإلكترونية إلى فئتين فردية وتنظيمية (الأعمال) [49]، يمكن تحديد قدرة الفرد على المشاركة في الحكومة الإلكترونية بحسب العمر والجنس والثقافة ومستوى التعليم، إضافة لعوامل أخرى قد تستخدم منظمة (مثل الإدارة الحكومية) تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في عملياتها التجارية اعتمادًا على مرونتها في ترتيبها الهيكلي. إن تحقيق الاستعداد التنظيمي يضمن إمكانية تغلغل الحكومة الإلكترونية عن طريق الهياكل التنظيمية والعمليات التجارية، والاستعداد التنظيمي هو قدرة أي دائرة حكومية أو مؤسسة تجارية، مع العاملين لديها والعمليات التجارية المختلفة في تلك المؤسسة على اعتماد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات واستخدامها في سلاسل قيمة أعمالها اليومية.
بالإضافة إلى ما سبق هناك المتطلبات الأساسية لنجاح تنفيذ الحكومة الإلكترونية ما يلي: [50]
هذه المتطلبات الأساسية المبينة أعلاه تتصدرها القيادة بعدِّها مطلبًا أساسيًا وعنصـرًا أساسيًا في تطوير الحكومة الإلكترونية. تعد القيادة مهمة جدًا في أي بيئة تنفيذ للحكومة الإلكترونية؛ لأنها توفر خرائط طريق إستراتيجية يجب اتباعها في تطوير الحكومة الإلكترونية، إضافة لذلك أن التكنولوجيا تتغير باستمرار فهناك حاجة إلى قيادة حكيمة لكي تتمكن الحكومة الإلكترونية من مراقبة طبيعتها القابلة للتطوير وتكون قادرة على التكيف في الوقت المناسب.
هناك مستويات مختلفة للحكومة الإلكترونية مع لاعبين وأصحاب مصلحة مختلفين، ويحدد ميشيل[51] ثلاثة مستويات مختلفة لخدمات الحكومة الإلكترونية، وهي:
هذه المستويات الثلاثة هي المراحل المفاهيمية لتطبيق الحكومة الإلكترونية المعاصرة، وهي الخصائص الأساسية والمرغوبة لجميع تطبيقات الحكومة الإلكترونية، علاوة على ذلك فإن المستويات الثلاثة تحدد الخصائص المختلفة لتطوير الحكومة الإلكترونية، وهذا قد يساعد على التركيز عند تصميم استراتيجيات الحكومة الإلكترونية.
هناك العديد من التعريفات المختلفة للحكومة الإلكترونية، وكذلك الحال بالنسبة للحوكمة الإلكترونية. قدم[53] تعريفًا ينتشـر على نطاق واسع: لا تقتصـر الإدارة الإلكترونية على الحكومة - فقط - ويفترضون أن الحوكمة - في مجملها - تشمل العمليات والمؤسسات المختلفة (سواء من القطاع الرسمي أم غير الرسمي) التي توجه وتقيد الأنشطة الجماعية للمجموعة، ويشارك المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والشركات الخاصة في الحكم بشكل أو بآخر.
تستلزم الحوكمة الإلكترونية استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على مستويات مختلفة من التسلسل الهرمي الحكومي لغرض تعزيز الجودة الشاملة للحكم [54]، كما أن الحوكمة الإلكترونية تشمل المفهوم بأكمله الذي يوضح بالتفصيل الشبكات والعلاقات المختلفة داخل الإدارات الحكومية فيما يتعلق بتطبيق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
بينما تستلزم الحكومة الإلكترونية استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتعزيز استجابة الحكومة، وتشمل خصائص مثل سير العمل الإلكتروني، التقييم الإلكتروني، تقديم الخدمات الإلكترونية التي تؤدي في المقابل إلى زيادة الإنتاجية الإلكترونية، بالإضافة إلى ذلك تتضمن الحوكمة الإلكترونية الجوانب الإجرائية للحكومة الإلكترونية، والحوكمة الإلكترونية هي العملية التي تؤدي إلى المشاركة في العمليات الحكومية باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وبعض خصائص ظاهرة الحوكمة الإلكترونية ما يلي: الاستشارة الإلكترونية، والتحكم الإلكتروني، والمشاركة الإلكترونية، والتوجيه المجتمعي الشبكي[55]. الاختلافات بين خصائص الحكومة الإلكترونية والحوكمة الإلكترونية موضحة في جدول 4.
سعيًا إلى الوصول إلى مختلف المستفيدين من تطبيقات الحكومة الإلكترونية يكون تنفيذ الحكومة الإلكترونية بشكل أساسي في أربعة أنواع مختلفة، لكل منها مواصفات مختلفة وتستهدف الوصول إلى مستخدمين محددين. وتهدف تطبيقات الحكومة الإلكترونية المختلفة هذه إلى توفير التشغيل الآلي وتبسيط العمليات التجارية الحكومية؛ بحيث يجري تحقيق أقصـى قدر من الكفاءة والمساءلة وتقليل تكاليف المعاملات العادية.
هناك العديد من أشكال الحكومة الإلكترونية: الحكومة إلى الحكومة (G2G)، والحكومة إلى الأعمال (G2B)، والحكومة إلى المواطن (G2C) [56]، وهذه الأشكال المختلفة تمثل مختلف أصحاب المصلحة اللذين يشاركون في التفاعلات المختلفة التي تنتج عن الحكومة الإلكترونية، مع هذه الأشكال المختلفة للحكومة الإلكترونية يُمنح المستخدمون المختلفون (مثل المواطنين والشـركات) الفرصة لتجربة فوائد الحكومة الإلكترونية. كما تتيح الأشكال المختلفة للحكومة الإلكترونية للحكومات المختلفة تنفيذ الحكومة الإلكترونية بدوافع مختلفة.
يتيح هذا النمط من الحكومة الإلكترونية التفاعل البناء بين الحكومة ومواطنيها، ويُمنح المواطنون فرصة المشاركة الفاعلة في بروتوكولات الحوكمة والتأثير على اتجاه السياسة باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. يُعرّف[57] تطبيقات G2C أنها جميع التعاملات التي تجري بين الحكومة ومواطنيها عبر المنصة الإلكترونية، وتعمل تقنية G2C على تسهيل التفاعل المناسب بين المواطنين والحكومة، ويُنظر إليها عمومًا على أنها الهدف الأساسي للحكومة الإلكترونية، وتعتمد G2C على تماثل المعلومات بين الحكومة ومواطنيها. من جانب الحكومة يمكن للمواطنين الوصول إلى الخدمات الأساسية، مثل طلب جوازات السفر، وتجديد التراخيص، والخدمات الزراعية، والحصول على شهادات الزواج/الميلاد/الوفاة، والتقدم بطلب للحصول على الخطط الحكومية، وضرائب الدخل، ومعلومات عن الخدمات العامة الأساسية مثل الرعاية الصحية والمكتبات ومعلومات المستشفيات والتعليم. تتيح تطبيقات G2C المشاركة الإلكترونية للمواطنين، ومن ثَمَّ تتيح تطوير الحكومة الإلكترونية [58].
يتيح G2B التفاعل بين الحكومة ومؤسسات الأعمال المختلفة، وهذا يمكّن مجتمع الأعمال من المشاركة في تشكيل السياسات ومواكبة المعلومات الحكومية، مثل المذكرات والسياسات والقواعد واللوائح. يمكن للشـركات - أيضًا - الاستفادة من هذا التنظيم؛ لأنه يمكنها من تنزيل نماذج تسجيل الأعمال التجارية، والحصول على التصاريح، وتجديد تراخيص الأعمال، ودفع الضـرائب، وتتضمن G2B أيضًا المشتريات الإلكترونية، وهي إعفاء حكومي لتبادل وشراء السلع والخدمات[59]. إن المشتريات الإلكترونية تجعل عملية تقديم العطاءات للمشاريع الحكومية شفافة ولا تترك مجالًا لممارسات الفساد [60]، وهذه إحدى الطرق التي تسهم عن طريقها الحكومة الإلكترونية في الحد من الفساد في شبكات تقديم الخدمات العامة. وفي المقابل، يتيح الشـراء الإلكتروني توفير التكاليف من جانب الحكومة، حيث لا يوجد وسطاء أو وكلاء في عملية الشراء[61].
تتيح تقنية G2G للوزارات والهيئات الحكومية المختلفة إمكانية التكامل بسلاسة، ومن ثَمَّ تسهيل تقديم الخدمات العامة بشكل أسرع وأكثر كفاءة وشفافية، كما توفر مبادرة G2G منصة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات للحكومات في مختلف البلدان للتعاون وتبادل الأفكار حول القضايا التنموية[62]. عند استخدامها بهذه الطريقة يُنظر إلى G2G على أنها تطبيق للعلاقات الدولية والدبلوماسية، وفي أطر G2G يمكن تمرير الرسائل بسهولة بين الإدارات لزيادة كفاءة تقديم الخدمة والتعاون بين الإدارات، يعزو سيفرت[63] القوة الدافعة الرئيسة لتطبيقات الحكومة إلى الحكومة بعدها السعي إلى تقليل تكاليف المعاملات التجارية الحكومية في زيادة كفاءة وسرعة هذه المعاملات، وتقليل عدد الموظفين، وتحسين نتائج عملية الأعمال. تتضمن بعض أمثلة تطبيقات G2G إدارة المستندات الإلكترونية، والأمن الإلكتروني، والهوية الإلكترونية، وخدمات إدارة العمليات، وتمثل تطبيقات G2G العمود الفقري الرئيس لتطبيقات الحكومة الإلكترونية.
يتطلب التنفيذ الفعال للحكومة الإلكترونية تعزيز الأنظمة والإجراءات الداخلية التي تسمح بالتعاون بين مختلف الإدارات الحكومية قبل نجاح المعاملات الإلكترونية مع المواطنين والشـركات، ومن الجدير بالذكر أن الحكومة إلى الحكومة هي مثال جيد على الإدارة الإلكترونية لأنها تسعى إلى تحسين كفاءة تقديم الخدمات العامة من داخل العمليات التجارية الداخلية.
يهدف هذا النمط من الحكومة الإلكترونية إلى وضع قاعدة الموارد البشـرية في الخدمة العامة في ميزة تنافسية؛ بحيث يمكن تحقيق تقديم الخدمات المناسبة والتنافسية [64]، وبواسطة هذه المنصة توفر الحكومة التدريب للموارد البشـرية حتى يكونوا على اطلاع بمهنهم، يسمح هذا الوضع - أيضًا - بالتفاعل بين الحكومة والموظفين وكذلك الموظفين المحتملين، حيث يقدم المشورة بشأن أي فرص عمل متاحة ونطاق العمل وخطط رعاية الموظفين والقواعد واللوائح والتعبير عن ثقافة عمل الخدمة العامة المرغوبة[65]. تعمل منصات G2G على تعزيز التعاون بين مختلف الموظفين، ويمكن استخدامها كمنصة للتعلم الإلكتروني. يبين جدول أدناه ملخصًا لخصائص الأنواع الأربعة المختلفة لأنماط التفاعل مع الحكومة الإلكترونية.
توفر الأنواع المختلفة لتطبيقات الحكومة الإلكترونية فرصة، حيث يجري أخذ جميع أصحاب المصلحة النشطين في الحكومة الإلكترونية بعين الاعتبار، ويعرض[66] أمثلة ملموسة على الأنواع المختلفة لتطبيقات الحكومة الإلكترونية؛ كالآتي:
وتبين الأمثلة المبينة أعلاه أنه حتى أقل البلدان نموًا تنفذ بشكل صارم الحكومة الإلكترونية من أجل تحديث عملياتها الحكومية نحو الكفاءة والفاعلية.