ملخص
تتناول هذه الدراسة واقع المنظومة العدلية والرقابية في اليمن، وتسلّط الضوء على أوجه القصور
والخلل التي تعيق فاعليتها في تحقيق العدالة وتعزيز النزاهة والمساءلة. تنطلق الدراسة من فرضية مفادها أن ضعف
أداء هذه المنظومة يعود إلى مشكلات بنيوية وتشريعية وهيكلية وثقافية، وتتفاقم في ظل الأوضاع السياسية
والاقتصادية الهشة. من خلال منهجية تحليلية مقارنة، تستعرض الدراسة تجارب دولية رائدة مثل الولايات المتحدة،
المملكة المتحدة، فرنسا، اليابان، سنغافورة، والمغرب، وتستخلص منها دروسًا يمكن توظيفها في تطوير المنظومة
اليمنية. وخلصت إلى أن الإصلاح يتطلب رؤية شاملة تشمل تحديث البنية المؤسسية، ترسيخ استقلال القضاء، اعتماد نظم
إلكترونية، وتفعيل الرقابة المجتمعية. كما قدّمت الدراسة تصورًا عمليًا لإعادة هيكلة المنظومة العدلية والرقابية
في اليمن بما يعزز كفاءتها ويواكب المعايير الدولية.
كلمات مفتاحية: المنظومة العدلية – الرقابة – القضاء – اليمن – الإصلاح المؤسسي – الحوكمة الرشيدة – التجارب العالمية – الشفافية – الاستقلال القضائي – المساءلة.
Abstract
This study examines the effectiveness of Yemen's judicial and oversight
system, focusing on structural, legal, and administrative shortcomings that hinder its ability to ensure
justice and accountability. Based on the premise that these deficiencies are exacerbated by Yemen’s fragile
political and economic context, the study adopts a comparative analytical methodology, drawing on successful
international experiences in countries such as the United States, United Kingdom, France, Japan, Singapore,
and Morocco. It concludes that reform must be comprehensive, involving institutional restructuring, judicial
independence, digital transformation, and enhanced civic oversight. The study presents a practical proposal
to modernize Yemen’s justice and oversight institutions in alignment with global standards.
Keywords: Judicial system – Oversight –
Justice – Yemen – Institutional reform – Good governance – International experiences – Transparency –
Judicial independence – Accountability.
1. الإطار العام
1-1 . مقدمة
يُعد إصلاح المنظومة العدلية والرقابية ركيزة أساسية لإرساء دولة النظام والقانون وتحقيق التنمية
الشاملة، إذ يؤثر ضعف هذه المنظومة سلبًا على ثقة المواطنين وعلى مختلف أوجه التنمية. ويُعد رفع كفاءة وفعالية
المنظومتين، لا سيما في ظل المعايير الدولية التي تؤكد على استقلالية القضاء وحماية الحقوق الأساسية، ضرورة
ملحة. ورغم أن إصلاح هذه المنظومة ليس بالأمر السهل، إلا أنه ليس مستحيلًا، إذ يتطلب الأمر إصلاحات قانونية
وهيكلية تضمن الشفافية، وتعزز الرقابة على الأداء، وتحد من الانحرافات، وتُرسّخ مبدأ المساءلة والمحاسبة
للمسؤولين. وبالرغم من تعدد المبادرات الإصلاحية التي شهدتها اليمن خلال العقود الماضية، لا تزال هذه المنظومة
تعاني من إشكالات بنيوية تؤثر على فاعليتها وكفاءتها. وتكمن أهمية هذا البحث في كونه يأتي ضمن جهود متواصلة
تبذلها الحكومات اليمنية المتعاقبة لإصلاح وتطوير المنظومة العدلية، ومن خلال تحليل ودراسة تجارب عربية وعالمية
ناجحة في إصلاح منظومات القضاء، يمكن الخروج بحلول مقترحة لمعالجة أوجه القصور ونقاط الضعف التي تعتري منظومتي
العدل والرقابة في اليمن. وتتمحور الإشكالية المركزية للبحث حول ضعف وخلل فاعلية هذه المنظومة في تحقيق العدالة
ومحاسبة الفاسدين في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية المستمرة.
2-1-1 . أسئلة البحث
يحاول البحث الإجابة على التساؤل الرئيس الآتي: ما أبرز جوانب الضعف والخلل في المنظومة العدلية
والرقابية في اليمن، وكيف يمكن معالجتها والتغلب عليها؟ ويتفرع عن هذا التساؤل مجموعة من الأسئلة الفرعية التي
تسعى الدراسة للإجابة عنها، وهي:
- ما أبرز أوجه القصور في مكونات المنظومة العدلية والرقابية وأنماطها المختلفة؟
- ما هو الواقع الراهن للمنظومة العدلية والرقابية في اليمن، وما التحديات الرئيسية التي
تواجهها؟
- ما أبرز التجارب العالمية الناجحة في إصلاح وتطوير المنظومات العدلية والرقابية؟
- ما التدخلات الهيكلية والمعرفية التي اتخذتها الدول الرائدة لإصلاح منظوماتها العدلية
والرقابية؟
- ما الدروس المستفادة من تلك التجارب العالمية، وكيف يمكن توظيفها في سياق تطوير المنظومة
اليمنية؟
3-1-1 . منهجية البحث
يعتمد الباحث في هذه الدراسة على مجموعة من المناهج العلمية التي تُسهم في تحقيق أهداف
البحث والوصول إلى نتائج دقيقة، وذلك على النحو الآتي:
- المنهج الوصفي التحليلي: ويُستخدم لوصف وتحليل واقع المنظومة العدلية
والرقابية في اليمن، ورصد مكوناتها الأساسية والتحديات التي تواجهها، من خلال جمع البيانات والمعلومات
وتحليلها بشكل منهجي يُفضي إلى استنتاجات علمية دقيقة.
-
منهج دراسة الحالة: ويُوظّف لتحليل حالات محددة من التجارب العالمية الناجحة
في إصلاح المنظومات العدلية والرقابية، مما يتيح دراسة معمقة للنماذج المختارة واستخلاص الدروس والعبر
منها.
-
المنهج المقارن: يُستخدم لمقارنة بعض التجارب العربية والعالمية في مجال تطوير
المنظومات العدلية والرقابية بالواقع اليمني، بهدف تحديد أوجه التشابه والاختلاف، وتقييم مدى ملاءمة تلك
التجارب للاستفادة منها محليًا.
-
المنهج الاستنباطي: يُعتمد عليه في استخلاص الدروس المستفادة من التجارب
الدولية، وصياغة تصوّر مقترح لتطوير المنظومة العدلية والرقابية في اليمن، من خلال الربط بين النظريات
العامة والتجارب العملية، بما يسهم في تقديم حلول قابلة للتطبيق.
4-1-1 . أهداف البحث
تهدف هذه الدراسة إلى تحديد جوانب القصور والضعف في المنظومة العدلية والرقابية في اليمن،
من خلال تحليل علمي منهجي لواقعها المؤسسي، بما يشمل الهياكل التنظيمية، والوحدات الهيكلية، والكوادر
الوظيفية، ونظم الاتصال، والثقافة التنظيمية، إضافة إلى الإطار القانوني والتشريعي، والسياسات
التنظيمية، ونظم العمل المعتمدة. كما يسعى البحث إلى استعراض أبرز التجارب العالمية الناجحة في هذا
المجال، بغرض استخلاص الدروس المستفادة منها وتوظيفها في بلورة مقترحات عملية لتطوير المنظومة العدلية
والرقابية في اليمن، وبما يسهم في رفع كفاءتها وتحسين مستوى أدائها بما يتلاءم مع الخصوصية الوطنية.
5-1-1 . هيكلية البحث
لتحقيق أهداف البحث ومعالجة إشكاليته الرئيسة، تم تقسيم الدراسة إلى أربعة فصول رئيسة،
تناول الفصل الأول المقدمة والإطار المفاهيمي للمنظومة العدلية والرقابية ومكوناتها الأساسية. أما الفصل
الثاني فقد ركّز على واقع المنظومة العدلية والرقابية في اليمن، مستعرضًا أبرز التحديات التي تواجهها.
في حين خُصص الفصل الثالث لعرض وتحليل بعض التجارب العالمية الرائدة في إصلاح هذه المنظومات، مع التركيز
على التدخلات التي قامت بها الدول في الجوانب الهيكلية والتنظيمية والمعرفية. واختتم البحث بـ الفصل
الرابع الذي قدّم رؤية مقترحة لتطوير المنظومة العدلية والرقابية في اليمن استنادًا إلى ما سبق من تحليل
نظري وتجريبي.
6-1-1 . الدراسات السابقة
- دراسة سمير المحمدي:[1]
تناولت هذه الدراسة عددًا من المحاور الرئيسة، شملت: المعايير الدولية المتعلقة باستقلال القضاء
وكفاءته، واستعراض تجارب دولية في إصلاح النظم القضائية، وتقييم واقع النظم القضائية في الدول العربية
في ضوء تلك المعايير، إضافة إلى مناقشة استراتيجيات الإصلاح القضائي. وتمثّلت إشكالية الدراسة في
التساؤل التالي: ما مدى توافق النظم القضائية العربية مع المعايير الدولية للنظم القضائية الفعّالة؟ وقد
بُنيت فرضية البحث على أن تحقيق هذا التوافق يُسهم في رفع كفاءة وفعالية النظام القضائي. وتوصلت الدراسة
إلى وجود فجوة ملموسة بين واقع النظم القضائية العربية وتلك المعايير، مما يستدعي ضرورة تطوير الإطارين
التشريعي والمؤسسي لمنظومة القضاء في الدول العربية.
-
دراسة أحمد العوضي:[2]
تناولت هذه الدراسة موضوع استقلال القضاء في الدول العربية، من خلال تحليل واقع الأنظمة القضائية،
ومعوقات الاستقلال، مع عرض نماذج مقارنة لإصلاحات قضائية. وقد ركّزت الدراسة على العلاقة بين استقلال
القضاء وفعالية الإصلاح القضائي، وافترضت أن تعزيز استقلال السلطة القضائية يُشكّل مدخلًا أساسيًا لأي
عملية إصلاح فعّالة. وقد خلصت إلى ضرورة إصلاح الإطارين التشريعي والدستوري بما يكفل استقلال القضاء،
إلى جانب تعزيز الضمانات المادية والمعنوية للقضاة، وتطوير نظم اختيارهم وتدريبهم. كما شددت على أهمية
إشراك منظمات المجتمع المدني في مسار الإصلاح القضائي.
-
دراسة طارق السنهوري:[3] ركزت
هذه الدراسة على العلاقة بين فعالية الرقابة القضائية على أعمال الإدارة وتحقيق مبادئ الحكم الرشيد. وقد
انطلقت من فرضية وجود علاقة طردية بين قوة الرقابة القضائية وتحقيق معايير الحوكمة الرشيدة. وتوصلت إلى
ضرورة توسيع نطاق الرقابة القضائية على الإدارة العامة، وتبسيط إجراءات التقاضي الإداري، إضافة إلى
تطوير آليات تنفيذ الأحكام القضائية الإدارية، وتعزيز استقلال القضاء الإداري كمطلب إصلاحي أساسي.
-
دراسة القحطاني:[4] تمحورت هذه الدراسة حول سبل تطوير الأنظمة
الرقابية في مواجهة أشكال الفساد الإداري والمالي المستجدة. وقد افترضت أن تحديث هذه الأنظمة يسهم
بفعالية في الحد من الفساد. وتوصلت إلى أهمية تبني تقنيات رقابية حديثة، وتطوير وتأهيل الموارد البشرية
العاملة في الأجهزة الرقابية، فضلًا عن تعزيز استقلال هيئات الرقابة، وترسيخ مبادئ الشفافية والمساءلة
في أداء المؤسسات الحكومية.
-
دراسة محمد عبد الرحمن الهاشمي:[5]
ناقشت هذه الدراسة أثر كفاءة النظام القضائي على حجم الاستثمارات الأجنبية، مستندة إلى فرضية وجود علاقة
إيجابية بينهما. وقد خلصت إلى أن تحسين أداء القضاء ينعكس إيجابًا على جذب الاستثمارات، مما يوجب تطوير
آليات تسوية المنازعات التجارية، وتبسيط الإجراءات القضائية، وتقليل مدة التقاضي، إضافة إلى إنشاء قضاء
متخصص للنظر في القضايا التجارية والاستثمارية.
2-1 . الإطار النظري المفاهيمي للمنظومات العدلية والرقابية
1-2-1 . ماهية المنظومات العدلية والرقابية
- المنظومة العدلية: مجموعة المؤسسات والهيئات القضائية
والعدلية المسؤولة عن تطبيق القانون وإقامة العدل وضمان حقوق المواطنين وتشمل: المحاكم بمختلف درجاتها
واختصاصاتها، النيابة العامة، الشرطة القضائية، الإدارات القانونية، المحامين، والخبراء العدليين.[6]
- المنظومة الرقابية: مجموعة الأجهزة والمؤسسات التي
تمارس وظائف الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية والمالية العامة، بهدف ضمان حسن سير المرافق العامة وفقاً
للقوانين واللوائح، ومكافحة الفساد المالي والإداري[7]، وتشمل:
أجهزة الرقابة المالية والإدارية، وهيئات مكافحة الفساد، وديوان المظالم، ومؤسسات المساءلة البرلمانية.
2-2-1 . مكونات المنظومة العدلية والرقابية
- الهياكل التنظيمية: يقصد بالهياكل التنظيمية البنية
الإدارية الأساسية للمؤسسات العدلية والرقابية، والتي تُحدّد من خلالها التقسيمات الإدارية والفنية،
والعلاقات التنظيمية بين مختلف الوحدات. ويُعبّر عنها بالهيكل الذي تضعه الإدارة العليا بهدف توزيع المهام
والمسؤوليات بين الإدارات، ابتداءً من أعلى منصب وصولًا إلى أدنى رتبة وظيفية. ويتضمن هذا الهيكل تحديد
الإدارات المختلفة وعدد العاملين فيها، وطبيعة ارتباطها الإداري والتنظيمي مع الإدارات الأخرى، إلى جانب رسم
التسلسل الهرمي للعلاقات الوظيفية داخل المؤسسة.[8]
- الوحدات الهيكلية: تعبر عن التقسيمات الفرعية داخل
المؤسسات العدلية والرقابية واختصاصاتها، سواء كانت وحدات قضائية أو إدارية أو فنية. وقد تكون الوحدة مركزية
«وزارة، محاكم، إدارة، قسم»، أو لا مركزية «إقليمية أو جهوية ... الخ». كما يقصد بها النصوص الجاري العمل
بها كالقوانين والسياسات والقرارات التي تحدد قواعد تنظيم واختصاصات كل من الوحدات التنظيمية الرئيسة
للقطاعات والوزارات.[9]
- الثقافة التنظيمية: تشير الثقافة التنظيمية إلى منظومة
القيم والمبادئ والسلوكيات والممارسات السائدة داخل المؤسسات العدلية والرقابية، والتي تنعكس بصورة مباشرة
على أداء العاملين وسلوكهم المهني. وتمثل هذه الثقافة مجموعة من المعتقدات الجماعية والتقاليد التنظيمية
المتوارثة التي تتأثر بعدّة عوامل، من بينها تاريخ المؤسسة، وطبيعة خدماتها، والبيئة المجتمعية، والتطور
التكنولوجي، والاستراتيجية الإدارية، ونمط القيادة، ونوعية الكوادر الوظيفية، وثقافة المجتمع المحيط.
[10]
- الكوادر الوظيفية: يقصد بهم الموارد البشرية العاملة
في المؤسسات العدلية والرقابية، من حيث عددها، ومؤهلاتها، وكفاءتها، وآليات تعيينها وتدريبها وتقييم أدائها.
وتشمل هذه الكوادر القضاة، والإداريين، والفنيين، والمدرّبين، والضباط غير المفوضين، وغيرهم من الفاعلين ضمن
منظومة العمل، حيث تُعد هذه الفئة المحرك الأساسي لكفاءة الأداء المؤسسي وعدالته.[11]
- الاتصال الفعال:
يمثل الاتصال الفعّال أحد المرتكزات الأساسية للعمل المؤسسي في المنظومة العدلية والرقابية، ويقصد به نظم
الاتصال والتواصل الداخلي والخارجي داخل المؤسسات، وآليات تبادل المعلومات والتنسيق بينها. ويتحقق الاتصال
الفعّال عندما تُنقل المعلومات والأفكار من المرسل إلى المستقبل بصورة دقيقة وواضحة، مع ضمان خلو الرسالة من
أي تشويش أو التباس، بما يُعزز الانسيابية في اتخاذ القرار وجودة الأداء المؤسسي.[12]
- القوانين: تشكل القوانين الإطار التشريعي المنظم لعمل
المؤسسات العدلية والرقابية، وتشمل القوانين الأساسية والتشريعات الفرعية واللوائح التنفيذية التي تضبط سير
الأداء المؤسسي وتحدد الصلاحيات والمسؤوليات. ويُعرّف القانون بأنه مجموعة من القواعد الملزمة التي تهدف إلى
تنظيم حياة الأفراد داخل المجتمع، وتُفرض من قبل السلطة العامة، التي تتولى ضمان احترامها من خلال توقيع
الجزاء على من يخالفها.[13] وتمثل هذه القواعد منظومة معيارية تستند إلى
العادات الاجتماعية، أو المبادئ الأخلاقية، أو النظام القانوني السائد، وتُحدد من خلالها حقوق الأفراد
وواجباتهم تجاه بعضهم البعض وتجاه الدولة.
- اللوائح: تنقسم اللوائح التنظيمية داخل المؤسسات
العدلية والرقابية إلى نوعين رئيسين:
- لوائح تنظيمية: وهي مجموعة من الأنظمة والقواعد التي تُنظّم العلاقة بين أصحاب العمل
والعاملين، وتشكل جزءًا من الإطار القانوني الناظم لسوق العمل. وتشمل هذه اللوائح الجوانب المتعلقة
بالتوظيف، والأجور، والحماية الاجتماعية، والسلامة المهنية، وغيرها من القضايا ذات الصلة بحقوق العاملين
والتزاماتهم.[14]
- لوائح تنفيذية: تعرف بأنها قواعد عامة ملزمة تهدف إلى تنفيذ أحكام القوانين، وتصدرها السلطة
التنفيذية، وتعد استثناء من مبدأ الفصل بين السلطات.[15]كما
تعرف بأنها آلية التشريع الفرعي بعد القانون والدستور ولا يجوز أن تخالف القانون والذي بدوره لا يجوز أن
يخالف الدستور.[16]
- السياسات التنظيمية: تشير السياسات التنظيمية إلى
مجموعة القواعد والتوجهات العامة التي ترسم إطار العمل داخل المؤسسات العدلية والرقابية، وتوجّه أداءها نحو
تحقيق أهدافها الإستراتيجية. وتُعرف أحيانًا بـ «سياسة المكتب»، وقد تشمل استخدام العلاقات المهنية وأساليب
التأثير التنظيمي لإحداث تغييرات تخدم مصلحة المؤسسة أو بعض الأفراد داخلها. وتُعبّر السياسات عن التوجهات
الرسمية للمؤسسة فيما يتعلق بإدارة الموارد، واتخاذ القرار، وتوزيع الصلاحيات.[17]
- نُظُم العمل: تعرف بأنها مجموعة القواعد القانونية
التي تنظم علاقات العمل التابع والتي تنشأ بين صاحب العمل والعامل الذي يعمل تحت إدارته وإشرافه، ويبين حقوق
والتزامات كل من طرفي هذه العلاقة.[18] أو أنها الإجراءات والآليات والعمليات المتبعة في
تنفيذ المهام والوظائف داخل المؤسسات العدلية والرقابية.
3-2-1 . أنواع المنظومات العدلية والرقابية
- أنواع المنظومات العدلية:
تنوع المنظومات العدلية في العالم تبعًا للأنظمة القانونية المعتمدة في كل دولة، منها:
- النظام اللاتيني «القانون المدني»: يعتمد هذا النظام على القوانين المكتوبة والتشريعات
المقنّنة، بينما تلعب السوابق القضائية دورًا ثانويًا في إصدار الأحكام. يُعد هذا النظام سائدًا في دول مثل
فرنسا وألمانيا وإيطاليا، كما تتبناه معظم الدول العربية.[19]
- النظام الأنجلوسيكسوني «القانون العام»: يرتكز هذا النظام على السوابق القضائية بوصفها
المصدر الأساس للقانون، إلى جانب بعض التشريعات المحددة، ومن أبرز الدول التي تعمل بهذا النظام: المملكة
المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، وأستراليا.[20]
- النظام المختلط: يجمع هذا النموذج بين عناصر من النظامين اللاتيني والأنجلوسكسوني، ويُطبّق
في دول مثل اسكتلندا، وجنوب أفريقيا، والفلبين.[21]
- النظام الإسلامي: يستند هذا النظام إلى الشريعة الإسلامية بوصفها المصدر الأساس للتشريع،
وتتبنّاه دول مثل المملكة العربية السعودية، وإيران، والسودان.[22]
- أنواع المنظومات الرقابية:
تتنوّع المنظومات الرقابية بحسب النموذج المؤسسي الذي تتبعه الدول، ويُمكن تصنيفها إلى التالي:
- النموذج الفرنسي: يرتكز على وجود محاكم مالية «مثل مجلس المحاسبة» تمتلك صلاحيات قضائية
واستشارية في مجال الرقابة المالية، وتضطلع بدور مباشر في الرقابة على الإنفاق العام.[23]
- النموذج الأنجلوسيكسوني: يُركّز على الرقابة البرلمانية من خلال مؤسسات مثل مكتب المراجع
العام أو ديوان المحاسبة، وتكون هذه الجهات تابعة للسلطة التشريعية، ما يُعزّز استقلالية الرقابة عن الجهاز
التنفيذي.[24]
- النموذج المختلط: يجمع بين خصائص النموذجين الفرنسي والأنجلوسيكسوني، ويتسم بوجود أجهزة
رقابية متعددة ذات مهام متكاملة تغطي الجوانب المالية والإدارية والتشريعية.[25]
- النموذج الهجين: يتصف بمرونة مؤسسية أكبر، ويتميّز بوجود هيئات رقابية خاصة تتكيف مع
السياقات المحلية والتحديات التنموية للدولة، كما هو الحال في عدد من دول شرق آسيا.[26]
4-2-1 . النظريات الإدارية والتنظيمية الحديثة للمنظومات العدلية والرقابية
تمثل النظريات الإدارية والتنظيمية الحديثة إطارًا تحليليًا لفهم وتطوير أداء المنظومات
العدلية والرقابية، بما يواكب مفاهيم الحوكمة الحديثة، ويستجيب لمتطلبات الإصلاح المؤسسي. ومن أبرز هذه
النظريات:
- نظرية المساءلة العامة «Public Accountability Theory»: تُعد
نظرية المساءلة العامة إحدى النظريات الجوهرية في مجال الحوكمة والإدارة العامة، وتركز على أهمية إخضاع
المؤسسات العامة لمبدأ المساءلة كأداة لضمان الفاعلية المؤسسية، ومكافحة الفساد، وتعزيز ثقة المواطنين.
وتفترض النظرية أن المساءلة لا تقتصر على الجانب القانوني أو المالي فقط، بل تشمل أبعادًا متعددة
مترابطة، تتوزع على أربعة مستويات رئيسة:[27]
- المساءلة القانونية «Legal Accountability»: تعني التزام المؤسسات والموظفين العموميين
بتطبيق القوانين واللوائح والتشريعات السارية، والامتثال للمعايير القانونية في جميع أنشطتهم وقراراتهم.
- المساءلة المالية «Financial Accountability»: تركز على سلامة استخدام الموارد المالية
العامة، والتزام المؤسسات بمبادئ الكفاءة والشفافية في الإنفاق، وإخضاعها لعمليات التدقيق والمراجعة المالية
الدورية.
- المساءلة الأدائية «Performance Accountability»: تعنى بمدى قدرة المؤسسة على تحقيق أهدافها
بكفاءة وفاعلية، من خلال تقييم الأداء، وربط النتائج بالموازنات والسياسات العامة.
- المساءلة الاجتماعية «Social Accountability»: تُعنى بتلبية تطلعات المواطنين واحتياجات
المجتمع، من خلال تمكينهم من متابعة الأداء الحكومي، والمشاركة في التقييم والرقابة، وتعزيز قنوات الشفافية
والتواصل العام.
- نظرية الحوكمة الرشيدة «Good Governance Theory»:
تُعد نظرية الحوكمة الرشيدة إحدى
النظريات الإدارية المعاصرة التي تسعى إلى تعزيز جودة الأداء المؤسسي في القطاع العام، من خلال ترسيخ
مبادئ الإدارة الرشيدة، وتعزيز الشفافية والمساءلة، وتحقيق العدالة في توزيع الموارد والفرص. وترتكز هذه
النظرية على مجموعة من المبادئ التي تشكل الأساس لأي منظومة حوكمة فعّالة، وهي على النحو الآتي:[28]
- المشاركة «Participation»: تُعنى بإشراك جميع الأطراف المعنية—بما في ذلك المواطنين،
ومنظمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص—في عمليات صنع القرار، بما يعزز الشفافية والقبول المجتمعي.
- سيادة القانون «Rule of Law»: تؤكد على ضرورة خضوع الجميع للقانون دون استثناء، مع ضمان
عدالة واستقلالية الجهاز القضائي، وتطبيق القوانين على نحو منصف وغير تمييزي.
- الشفافية «Transparency»: تعني إتاحة المعلومات المتعلقة بالسياسات والقرارات والإجراءات
أمام الجمهور، وتمكينهم من متابعتها وتقييمها.
- الاستجابة «Responsiveness»: تشير إلى قدرة المؤسسات العامة على الاستجابة السريعة
والفعّالة لاحتياجات المواطنين، ومعالجة قضاياهم ضمن أطر زمنية معقولة.
- التوافق «Consensus Oriented»: تُعنى بتقريب وجهات النظر والتوفيق بين المصالح المختلفة في
المجتمع، بما يحقق التوازن الاجتماعي والسياسي ويعزز الاستقرار.
- المساواة والشمول «Equity and Inclusiveness»: تركّز على تكافؤ الفرص، وضمان عدم إقصاء أي
فئة من المجتمع، خاصة الفئات الهشّة أو المهمشة.
- الفاعلية والكفاءة «Effectiveness and Efficiency»: تشير إلى تحقيق الأهداف والنتائج
المرجوة بأقل قدر من الموارد والهدر، من خلال إدارة الموارد العامة بكفاءة عالية.
- المساءلة «Accountability»: تُلزم صناع القرار بالاستجابة للمساءلة المؤسسية والمجتمعية،
وتربط بين السلطة والمسؤولية ضمن أطر واضحة.
- نظرية العدالة التنظيمية «Organizational Justice Theory»:
تُعد نظرية العدالة التنظيمية إحدى النظريات النفسية والإدارية الحديثة التي تُركّز
على إدراك العاملين داخل المؤسسات لعدالة المعاملة والتنظيم، وتأثير ذلك على سلوكهم، وأدائهم، وولائهم
المؤسسي. وتفترض النظرية أن غياب العدالة داخل المؤسسة يؤثر سلبًا على الانضباط الوظيفي، والالتزام
المهني، والثقة المؤسسية، وهو ما يُعد ذا أهمية خاصة في المؤسسات العدلية والرقابية التي تُناط بها
مسؤولية تحقيق العدالة في المجتمع. وتتضمن هذه النظرية ثلاثة أبعاد رئيسة:[29]
- العدالة التوزيعية «Distributive Justice»: تُعنى بعدالة توزيع الموارد والمكافآت بين
العاملين في المنظمة، مثل الرواتب، فرص الترقية، التحفيز، والامتيازات. ويقاس هذا البعد بدرجة شعور الموظفين
بأن ما يحصلون عليه من عائدات يتناسب مع جهودهم ومساهماتهم.
- العدالة الإجرائية «Procedural Justice»: تركز على مدى عدالة وشفافية الإجراءات والضوابط
المتبعة في اتخاذ القرارات داخل المنظمة، مثل التعيين، الترقية، التقييم، أو العقوبات التأديبية. وتعكس مدى
إتاحة الفرص للمشاركة، وسماع الرأي، وضمان الموضوعية في تطبيق المعايير.
- العدالة التفاعلية «Interactional Justice»: تشير إلى الاحترام واللباقة في التعامل الشخصي
داخل المنظمة، بما يشمل أسلوب التواصل، ووضوح المعلومات، ومراعاة الكرامة الإنسانية في العلاقات الوظيفية.
ويُعد هذا البعد مؤشرًا على مدى التقدير المتبادل بين الإدارة والعاملين.
- نظرية التحول الرقمي في القطاع العام «Digital Transformation Theory»:
تُعد نظرية التحول الرقمي في القطاع العام من
النظريات الحديثة التي تسلط الضوء على أثر التكنولوجيا الرقمية في تحسين أداء المؤسسات العامة، ورفع
كفاءتها، وتعزيز علاقتها بالمواطنين. وتركّز هذه النظرية على أن التحول الرقمي ليس مجرد رقمنة للخدمات
التقليدية، بل يمثل تحولًا جذريًا في النماذج المؤسسية وآليات العمل، وصنع القرار، والتفاعل مع الجمهور.
وتتجلى تطبيقات هذه النظرية في المنظومات العدلية والرقابية من خلال المحاور التالية:[30]
- أتمتة العمليات القضائية وتبسيط الإجراءات: تعني تحويل الإجراءات اليدوية المعقدة داخل
المحاكم والهيئات الرقابية إلى إجراءات إلكترونية مؤتمتة، بما يسهم في تقليل زمن التقاضي، وتقليل الأخطاء
البشرية، وتحسين كفاءة الأداء الإداري والقضائي.
- تحسين الوصول إلى الخدمات العامة: يتحقق ذلك من خلال إنشاء بوابات إلكترونية ومنصات رقمية
تُمكّن المواطنين من رفع الدعاوى، متابعة القضايا، ودفع الرسوم، دون الحاجة للحضور الفعلي، مما يُقلص من
الكلفة والوقت، ويعزز العدالة الناجزة.
- تعزيز الشفافية والمساءلة: تُتيح الأنظمة الرقمية تتبع الأداء المؤسسي، ونشر البيانات
المفتوحة، وتوثيق الإجراءات إلكترونيًا، ما يجعل المؤسسات أكثر عرضة للمساءلة والمراقبة المجتمعية، ويقلل من
فرص الفساد والغموض في اتخاذ القرار.
- تحسين عملية صنع القرار بالاستناد إلى البيانات: يسهم التحول الرقمي في إنتاج بيانات آنية
ومنهجية حول الأداء، والمخرجات، وحركة القضايا، مما يُتيح للإدارات القضائية والرقابية اتخاذ قرارات مستندة
إلى الأدلة والتحليل، وليس الانطباعات أو العوامل السياسية.
- تفعيل المشاركة المجتمعية: من خلال استخدام أدوات المشاركة الإلكترونية، مثل الاستبيانات
والشكاوى الرقمية والمنصات التفاعلية، والتي تعزز إشراك المواطنين في الرقابة وتقييم الأداء، وتوسع دائرة
الاتصال بين مؤسسات العدالة والمجتمع.
- تكتسب هذه النظرية أهمية خاصة في البيئات الهشة مثل اليمن، حيث يمكن أن تُسهم في تجاوز
العوائق الجغرافية والإدارية، وتعيد بناء الثقة بين المواطن ومؤسسات العدالة والرقابة، إذا ما تم تبنيها ضمن
رؤية إصلاحية شاملة.
جدول «1»
ملخص نظريات المنظومة العدلية والرقابية الإدارية والتنظيمية المفاهيم وتطبيقات
المساءلة العامة
|
المساءلة: القانونية، المالية، الأدائية، الاجتماعية
|
أنظمة التقييم والمتابعة، نشر التقارير الدورية، آليات الشكاوى
|
الحوكمة الرشيدة
|
المشاركة: سيادة القانون، الشفافية، الاستجابة
|
مدونات السلوك، الإفصاح عن المعلومات، مشاركة المجتمع المدني
|
العدالة التنظيمية
|
العدالة: التوزيعية، الإجرائية، التفاعلية
|
نظم الحوافز والترقيات، إجراءات التعيين والتقييم، بيئة العمل
|
التحول الرقمي
|
الأتمتة: البيانات المفتوحة، الخدمات الإلكترونية
|
المحاكم الإلكترونية، أنظمة إدارة القضايا، قواعد البيانات
القانونية
|
2. المنظومة العدلية والرقابية في اليمن
1-2 . التطور التاريخي للمنظومة العدلية والرقابية في اليمن
يمكن تقسيم التطور التاريخي للمنظومة العدلية الرقابية في اليمن، إلى ثلاث مراحل رئيسية
هي:
- مرحلة ما قبل الوحدة اليمنية:
تعود نشأة المنظومة العدلية الحديثة في اليمن إلى ستينيات القرن العشرين، حيث
تأسست في شمال اليمن «الجمهورية العربية اليمنية» المحكمة العليا في عام 1963، لتكون أعلى سلطة قضائية
في البلاد. أما في جنوب اليمن «جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية»، فقد تأثرت المنظومة العدلية في
بداياتها بالقوانين البريطانية إبّان فترة الاحتلال البريطاني الممتدة من عام 1839 إلى عام 1967، ثم
تحوّلت بعد الاستقلال لتتأثر بالمنظومة الاشتراكية، وتم في هذا السياق إنشاء محكمة الشعب العليا عام
1970.[31]
أما على صعيد المنظومة الرقابية، فقد شهد الشمال إنشاء الجهاز المركزي للرقابة
والمحاسبة في عام 1970، بينما أُسس في الجنوب جهاز التفتيش والرقابة في عام 1973،
[32] وهو
ما يُشير إلى وجود تطور متوازٍ -وإن كان مغايرًا في المرجعيات المؤسسية- بين الشطرين قبل إعادة توحيد
اليمن.
- مرحلة ما بعد الوحدة اليمنية «1990»:
بعد تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990، تم دمج المنظومتين العدليتين والرقابيتين في
منظومة واحدة. وشهدت هذه المرحلة إصدار العديد من التشريعات المنظمة للسلطة القضائية والأجهزة الرقابية،
أبرزها:[33]
- قانون السلطة القضائية رقم «1» لسنة 1991.
- قانون الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة رقم «39» لسنة 1992.
- قانون مكافحة الفساد رقم «39» لسنة 2006.
- إنشاء الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد عام 2007.
- مرحلة ما بعد العام «2011»:
شهدت هذه المرحلة محاولات جادة لإصلاح المنظومتين العدلية والرقابية، تمثّلت فيما
ورد ضمن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل «2013–2014»، والتي تضمنت جملة من التوصيات الهادفة إلى
تعزيز استقلال القضاء، وتفعيل دور الأجهزة الرقابية، ورفع كفاءتها في مكافحة الفساد وتحقيق الشفافية.
غير أن تنفيذ هذه التوصيات واجه صعوبات كبيرة، حيث تعثّرت معظم الإصلاحات المقترحة نتيجة تصاعد الصراع
السياسي والعسكري منذ عام 2014، وما ترتّب عليه من انقسام حاد في مؤسسات الدولة وتراجع في فاعلية مؤسسات
العدالة والرقابة في مختلف مناطق اليمن.[34]
2-2. الهيكل التنظيمي للمنظومة العدلية والرقابية في اليمن
أولًا: المنظومة العدلية
تتألف المنظومة العدلية في الجمهورية اليمنية من عدد من المؤسسات القضائية والإدارية التي
تشكل البنية المركزية لإنفاذ العدالة، وتتكامل فيما بينها لتأدية الوظيفة القضائية والإشراف على سير
العدالة. وتتمثل أبرز مكوناتها فيما يلي:[35]
- المحاكم: تُعد المحاكم الركيزة الأساسية لمنظومة العدالة، وتشمل:
- المحكمة العليا: وهي أعلى هيئة قضائية في البلاد، تختص بتفسير القانون، والنظر في الطعون
بالنقض، وتوحيد الاجتهاد القضائي.
- محاكم الاستئناف: وتوجد على مستوى المحافظات، وتختص بنظر الطعون في الأحكام الصادرة عن
المحاكم الابتدائية.
- المحاكم الابتدائية: وتُعد محاكم الدرجة الأولى، وتباشر الفصل في غالبية القضايا.
- المحاكم المتخصصة: مثل المحاكم التجارية، والإدارية، والجزائية المتخصصة، وتُعنى بالنظر في
أنواع معينة من المنازعات ذات الطابع الفني أو النوعي.
- النيابة العامة: تُمثّل الجهاز المختص بتحريك الدعوى الجزائية ومباشرتها باسم المجتمع، وتتفرع إلى:
- النائب العام، باعتباره رأس النيابة العامة.
- نيابات الاستئناف على مستوى المحافظات.
- النيابات الابتدائية في المديريات.
- النيابات المتخصصة، التي تنظر في قضايا معينة كالإرهاب أو الجرائم الاقتصادية.
- مجلس القضاء الأعلى: يُعدّ السلطة الإشرافية العليا على شؤون القضاء، ويتولى مهام أبرزها:
- تعيين القضاة وترقياتهم ونقلهم.
- إدارة شؤون السلطة القضائية تنظيمياً.
- النظر في القضايا التأديبية للقضاة.
- إصدار السياسات العامة لتطوير القضاء.
- وزارة العدل: تُعنى بالجوانب الإدارية والمالية للمؤسسات القضائية، وتشمل مهامها:
- الإشراف على البنية التحتية للمحاكم.
- توفير الموارد البشرية والمستلزمات التقنية لدعم عمل القضاء.
- التنسيق مع الأجهزة القضائية الأخرى في التخطيط والإصلاح المؤسسي.
- المعهد العالي للقضاء: يمثل الجهة الوطنية المختصة بتأهيل القضاة وأعضاء النيابة العامة، وذلك من خلال:
- تنظيم برامج التدريب الأساسي والمستمر.
- تطوير المناهج القضائية بما يتوافق مع المستجدات القانونية.
- دعم تطوير الكفاءات المهنية في السلك القضائي.
ثانيًا: المنظومة الرقابية:
أما المنظومة الرقابية في اليمن فتشمل عددًا من الهيئات والمؤسسات المعنية بمتابعة الأداء
الحكومي، وضمان الالتزام بالمعايير المالية والإدارية، ومن أبرز مكوناتها:[36]
- الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وهو المسؤول عن الرقابة المالية والإدارية الشاملة على
مؤسسات الدولة.
- الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، وهي الجهة المسؤولة عن مكافحة الفساد والوقاية منه.
- هيئة الرقابة على المناقصات، المسؤولة عن مراقبة عمليات المناقصات الحكومية.
- السلطة التشريعية «مجلس النواب»، وهي الجهة التي تمارس دوراً رقابياً على السلطة التنفيذية.
- وزارة الخدمة المدنية والتأمينات، والتي تتولى الرقابة على شؤون الوظيفة العامة.
3-2 . تحليل واقع المنظومة العدلية والرقابية في اليمن
- الإطار القانوني والتشريعي: على الرغم من وجود إطار قانوني وتشريعي مكتمل
نسبياً للمنظومة العدلية والرقابية في اليمن، إلا أنه يعاني من عدة إشكاليات، أهمها:[37]
- وجود العديد من القوانين واللوائح المتداخلة والمتعارضة أحياناً.
- عدم تحديث بعض التشريعات بما يتناسب مع المتغيرات المحلية والدولية.
- وجود فجوة كبيرة بين النصوص القانونية والتطبيق العملي لها.
- قصور في الضمانات القانونية لاستقلالية القضاء والأجهزة الرقابية.
- الهياكل التنظيمية والوحدات الهيكلية: تعاني من إشكاليات عديدة، أهمها:[38]
- تركز معظم الصلاحيات في المركز أو في العاصمة السياسية، وضعف اللامركزية.
- عدم وضوح الحدود بين اختصاصات بعض المؤسسات العدلية والرقابية.
- تركز الوحدات الرئيسة في العاصمة، ومحدودية الوحدات الفرعية في المحافظات.
- قصور في البنية التحتية والمرافق اللازمة لعمل المؤسسات العدلية والرقابية.
- تركز المؤسسات العدلية والرقابية في المدن الرئيسة وقلة انتشارها في المناطق الريفية.
- الكوادر الوظيفية والموارد البشرية: يواجه هذا العنصر تحديات كبيرة، أهمها:[39]
- نقص في الكوادر المؤهلة: خاصة في بعض التخصصات الفنية المرتبطة بالقضايا المعاصرة.
- ضعف برامج التأهيل والتدريب: قصور في برامج تنمية قدرات العاملين في المؤسسات العدلية والرقابية.
- تدني الرواتب والمزايا: هذا يؤثر سلباً على أداء الكوادر وقد يدفع بعضهم إلى تقبل الرشاوي.
- التدخلات السياسية والقبلية: تؤثر على عملية اختيار وتعيين الكوادر القضائية والرقابية.
- معايير نظم تقييم الأداء تقليدية: عدم وجود نظام موضوعي وفعال لتقييم أداء العاملين ومكافأة المتميزين.
- الاتصال الفعال ونظم المعلومات: تعاني المنظومة العدلية والرقابية اليمنية من أوجه قصور متعددة في توظيف نظم المعلومات الإلكترونية بكفاءة، من أهمها:[40]
- ضعف قنوات الاتصال الداخلية: محدودية التواصل وتبادل المعلومات بين مختلف مكونات المنظومة.
- ضعف الاتصال الخارجي: محدودية التواصل مع المواطنين والجهات ذات العلاقة.
- ضعف البنية التكنولوجية: نقص في الأجهزة الإلكترونية والبرمجيات اللازمة لتفعيل الاتصال.
- الاعتماد على النظم التقليدية: استمرار العمل بالنظم الورقية التقليدية مع بعض المحاولات
المحدودة للتحول الإلكتروني.
- ضعف قواعد البيانات: عدم وجود قواعد بيانات مكتملة ومحدثة.
- ضعف الربط الشبكي: ضعف الترابط بين مختلف مكونات المنظومة العدلية والرقابية.
- الثقافة التنظيمية: تتسم الثقافة التنظيمية السائدة في المؤسسات العدلية والرقابية اليمنية بالخصائص التالية:[41]
- البيروقراطية والروتين: التمسك بالإجراءات الروتينية وبطء الإنجاز.
- ضعف ثقافة الشفافية والمساءلة: قصور في ترسيخ مبادئ الشفافية والمساءلة.
- المقاومة للتغيير والتطوير: صعوبة لدى بعض العاملين، تقبل التغيير وإصرارهم على التمسك
بالأساليب التقليدية.
- التأثر بالعلاقات الاجتماعية والقبلية: تأثير العلاقات الاجتماعية والقبلية على العمل
المؤسسي، خاصة في المناطق الريفية.
- الثقافة الهرمية: الاحترام المفرط بالتسلسل الهرمي والتراتبية على حساب الإبداع والمبادرة.
4-2 . التحديات الرئيسة للمنظومة العدلية والرقابية في اليمن
- التحديات السياسية والأمنية: وتتمثل في الآتي: [42]
- الصراع السياسي والعسكري: أدى الصراع المستمر منذ 2014 إلى انقسام مؤسسات الدولة ومنها
المؤسسات العدلية والرقابية.
- التدخلات السياسية: التدخل المستمر من قبل السلطة التنفيذية والقوى السياسية والاجتماعية في
عمل المؤسسات العدلية والرقابية.
- الانفلات الأمني: يؤثر على قدرة المؤسسات العدلية والرقابية على أداء مهامها بفاعلية.
- انتشار السلاح: يشكل تهديداً للقضاة وأعضاء النيابة العامة والعاملين في الأجهزة الرقابية.
- استمرار الانقسام السياسي: يؤدي إلى ازدواجية في المؤسسات العدلية والرقابية.
- التحديات الاقتصادية والمالية، وتتمثل في الآتي:
- محدودية الموارد المالية: نقص التمويل اللازم لتطوير المؤسسات العدلية والرقابية.
- تدني الرواتب والمزايا: يؤثر سلباً على أداء العاملين وقد يدفع بعضهم إلى الفساد.
- ضعف البنية التحتية: تهالك المباني والمرافق وقصور في التجهيزات والمعدات.
- توقف المشاريع التنموية: توقف مشاريع دعم وإصلاح المنظومة العدلية والرقابية الخارجية بسبب
الصراع.
- الانهيار الاقتصادي: تدهور الوضع الاقتصادي وانهيار سعر العملة وارتفاع معدلات التضخم.
- التحديات الاجتماعية والثقافية: وتشمل الآتي:[43]
- الثقافة القبلية: تأثير العادات والتقاليد القبلية على سير العدالة وتنفيذ الأحكام.
- ضعف الوعي القانوني: انخفاض مستوى الوعي القانوني لدى المواطنين بحقوقهم وواجباتهم.
- العادات الاجتماعية البديلة: لجوء بعض المواطنين إلى آليات بديلة لحل النزاعات كالتحكيم
القبلي.
- الفساد المجتمعي: انتشار ثقافة الفساد وقبوله اجتماعياً في بعض الأحيان.
- الانقسامات المناطقية: تؤثر على تطبيق القانون وإقامة العدالة.
- التحديات المؤسسية والفنية: وتشمل التحديات التالية:[44]
- ضعف استقلالية القضاء: تأثر القضاء بالتدخلات؛ السياسية، والأمنية، والاجتماعية.
- بطء الإجراءات القضائية: طول فترة التقاضي وتراكم القضايا.
- ضعف آليات تنفيذ الأحكام: صعوبة تنفيذ الأحكام القضائية في بعض المناطق.
- محدودية استخدام التكنولوجيا: قصور في استخدام التكنولوجيا في العمل القضائي والرقابي.
- ضعف التنسيق والتكامل: غياب التنسيق الفعال بين مكونات المنظومة العدلية والرقابية.
جدول «2»
ملخص تحديات المنظومة العدلية والرقابية في اليمن المظاهر والتأثيرات
السياسية والأمنية
|
الصراع، التدخلات السياسية، الانفلات الأمني
|
تقسيم المؤسسات، ضعف الاستقلالية، صعوبة أداء المهام
|
الاقتصادية والمالية
|
محدودية الموارد، تدني الرواتب، ضعف البنية التحتية
|
نقص الكفاءة، انتشار الفساد، تردي الخدمات
|
الاجتماعية والثقافية
|
الثقافة القبلية، ضعف الوعي القانوني، العادات البديلة
|
التأثير على سير العدالة، ضعف ثقة المواطنين، اللجوء لوسائل بديلة
|
المؤسسية والفنية
|
ضعف الاستقلالية، بطء الإجراءات، ضعف التنفيذ
|
عدم فاعلية المنظومة، تراكم القضايا، ضعف سيادة القانون
|
3. التجارب العالمية في إصلاح المنظومات العدلية والرقابية
تُعد دراسة التجارب الدولية في إصلاح المنظومات العدلية والرقابية من أبرز المسارات التي
يمكن الاستفادة منها في تطوير النماذج الوطنية، لا سيما في البلدان التي تسعى إلى بناء منظومة قضائية
أكثر كفاءة واستقلالية وعدالة. ويكشف تتبّع هذه التجارب عن تنوع في المقاربات المتّبعة، تبعًا للخصوصيات
القانونية والسياسية والاجتماعية لكل بلد، إلا أن قواسم مشتركة عديدة يمكن ملاحظتها، أبرزها التركيز على
تعزيز استقلال القضاء، وتوسيع الوصول إلى العدالة، وتوظيف التكنولوجيا في تحسين كفاءة الأداء القضائي
والرقابي، إضافة إلى اعتماد نهج إصلاحي يوازن بين العقاب وإعادة التأهيل.
وفي هذا الفصل، سيتم استعراض مجموعة مختارة من التجارب العالمية، تشمل نماذج من الدول
الغربية مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا، بالإضافة إلى تجارب آسيوية رائدة في
التحديث القضائي كاليابان وسنغافورة، فضلاً عن تجربتين عربيتين بارزتين في كل من الأردن والمغرب. ويهدف
هذا العرض إلى استخلاص الدروس المستفادة، ورصد السياسات والآليات التي أثبتت فعاليتها في تطوير منظومات
العدالة والرقابة.
1-3 . التجربة الأمريكية
شهد النظام القضائي في الولايات المتحدة الأمريكية إصلاحات متقدمة هدفت إلى تعزيز كفاءة
العمل القضائي، وتحقيق العدالة الناجزة، وتوسيع نطاق الوصول إلى العدالة، خاصة للفئات المهمشة. وقد
تميّزت هذه الإصلاحات بعدد من الملامح البارزة التي عكست توجهًا إصلاحيًا شاملاً ومتوازنًا.
من بين
أهم هذه الملامح، كان إصلاح نظام الكفالة والعقوبات البديلة، حيث تم إدخال نماذج جديدة لتقييم المخاطر
تُستخدم في اتخاذ قرارات الإفراج قبل المحاكمة. وقد ساعدت هذه النماذج على تحقيق توازن دقيق بين حماية
المجتمع وضمان حقوق المتهمين. كما شهدت البلاد توسعًا ملحوظًا في إنشاء المحاكم المتخصصة، مثل محاكم
المخدرات، ومحاكم الصحة العقلية، ومحاكم المحاربين القدامى، وهي مؤسسات صُممت لمعالجة القضايا وفقًا
لخصوصياتها الاجتماعية والإنسانية، بما يسهم في تقديم معالجات قضائية أكثر ملاءمة.
وتحوّل النهج القضائي الأمريكي تدريجيًا من الطابع العقابي إلى العلاجي والتأهيلي، خصوصًا
في الجرائم ذات الطابع غير العنيف، حيث أصبح التركيز ينصبّ على إصلاح الجاني وإعادة دمجه في المجتمع،
بدلاً من الاقتصار على العقوبة. وقد رافق هذا التوجه إصلاحات تكنولوجية واسعة، شملت رقمنة السجلات
والإجراءات القضائية، وتوفير أنظمة إلكترونية تمكّن من الوصول إلى الملفات والمستندات بسهولة، إضافة إلى
تفعيل الجلسات الافتراضية، وهو ما برز بوضوح خلال جائحة كوفيد19-.
كما أُعيد النظر في السياسات العقابية من خلال تقليص تطبيق العقوبات الإلزامية، ومراجعة
الفجوات الاجتماعية في إصدار الأحكام، بهدف تحقيق عدالة أكثر تساويًا بين مختلف الفئات. وامتدّت
الإصلاحات لتشمل توسيع الوصول إلى العدالة، عبر زيادة تمويل برامج المساعدة القانونية المخصصة لذوي
الدخل المحدود، وتبسيط إجراءات التقاضي للأفراد الذين يمثلون أنفسهم دون الاستعانة بمحامٍ، بما يضمن
شمولية المنظومة القضائية وعدم استبعاد أي فئة اجتماعية منها.
1-1-3 . مميزات المنظومة العدلية الأمريكية
تتميّز المنظومة العدلية والرقابية في الولايات المتحدة بعدد من السمات البنيوية
والتنظيمية التي تعكس النضج المؤسسي وعمق التجربة:
- الهياكل التنظيمية: تقوم على مبدأ الفصل الصارم بين السلطات، مع وجود نظام
الضوابط والتوازنات لضمان عدم تغوّل أي سلطة على الأخرى. ويتضمن النظام القضائي الأمريكي مستويين:[45]
- النظام القضائي الفيدرالي: ويشمل المحكمة العليا، ومحاكم الاستئناف «الدائرة»، والمحاكم
الجزئية «المقاطعة».
- النظام القضائي في الولايات: تختلف تشكيلته من ولاية إلى أخرى بحسب دستور كل ولاية.
- الوحدات الهيكلية: يتصف القضاء الأمريكي بتعدد مستوياته وتنوع محاكمه، وتشمل:[46]
- المحكمة العليا الفيدرالية، وتتألف من تسعة قضاة يُعيّنون مدى الحياة.
- 13 محكمة استئناف فيدرالية «Circuit Courts».
- 94 محكمة مقاطعة فيدرالية «District Courts».
- محاكم متخصصة، منها: محكمة المطالبات الفيدرالية، ومحكمة التجارة الدولية.
- مكتب إدارة المحاكم الأمريكية «Administrative Office of the U.S. Courts»، الذي يُشرف
إداريًا على النظام القضائي الفيدرالي.
- الثقافة التنظيمية: تتسم الثقافة
القضائية الأمريكية بالاستقلالية التامة للقضاء، والالتزام بمبادئ الشفافية والمساءلة، إلى جانب مستوى
عالٍ من الاحترافية والمهنية. وتُشكّل المحاكمة العلنية، والمنافسة المؤسسية بين الادعاء والدفاع، عناصر
راسخة في النظام العدلي تسهم في تحقيق توازن العدالة.[47]
- الكوادر الوظيفية: يتم تُعيَّن القضاة الفيدراليون من قبل رئيس الجمهورية،
ويُشترط في ذلك موافقة مجلس الشيوخ، مما يمنح التعيين صفة سياسية-مؤسسية مزدوجة. ويتمتع القضاة وأعضاء
النيابة بمسارات مهنية واضحة، ويخضعون لتدريب مستمر عبر المركز القضائي الفيدرالي. كما توجد أنظمة
لتقييم الأداء القضائي على مستوى الولايات، بما يعزز الجودة والانضباط في العمل القضائي.[48]
- الاتصال الفعال: يتميّز النظام الأمريكي بوجود بنية اتصالات متطورة تشمل
التنسيق بين مختلف المحاكم، وبوابات إلكترونية مخصصة لتفاعل المواطنين والمحامين مع النظام القضائي. ومن
أبرز أدوات الاتصال الرقمي نظام PACER، الذي يُتيح الاطلاع على الملفات القضائية إلكترونيًا، بالإضافة
إلى اعتماد الجلسات العلنية واستخدام الإعلام لتعزيز الشفافية القضائية.[49]
- القوانين واللوائح والسياسات التنظيمية: تستند المنظومة إلى مرجعية دستورية
مستقرة، وتُقسم التشريعات إلى تشريعات فيدرالية وتشريعات خاصة بالولايات. كما تُنظم العمل القضائي لوائح
إجرائية متخصصة، منها: لوائح الإجراءات المدنية والجنائية الفيدرالية، إلى جانب مدونات السلوك القضائي
واللوائح الإدارية المرتبطة بالمحاكم.[50]
- نظم العمل: يتبنى النظام الأمريكي نظام المحلفين في القضايا الجنائية والمدنية
ذات الأهمية، ويُعتمد على وسائل تسوية النزاعات خارج المحكمة «Alternative Dispute Resolution». كما
وضعت إجراءات مبسطة للقضايا الصغيرة، إلى جانب نظام شامل لإدارة القضايا وجدولة الجلسات
إلكترونيًا.[51]
2-1-3 . التدخلات الإصلاحية في المنظومة العدلية والرقابية الأمريكية
- التدخلات الإصلاحية في المنظومة العدلية: تمثلت في القيام بالآتي:[52]
- إصلاح البنية المؤسسية والإجرائية:
- مشروع تحديث المحاكم الفيدرالية «1990–2005»: حيث استثمرت الحكومة الأمريكية أكثر من 1.5
مليار دولار في تحديث البنية التحتية للمحاكم الفيدرالية، مما أدى إلى تحسين كفاءة الأداء القضائي بنسبة
تجاوزت 40٪.
- نظام الإيداع الإلكتروني «2001-2010»«CM/ECF»: حيث تم إطلاق نظام موحد لإدارة القضايا
والإيداع الإلكتروني في المحاكم الفيدرالية، وأسفر عن تقليص زمن معالجة الوثائق بنسبة 80٪، وتخفيض التكاليف
التشغيلية بنسبة 35٪.
- إصلاح السياسات العقابية:
- إصلاح نظام العقوبات الفيدرالي «2010–2018»: تبنّت الحكومة الفيدرالية مبادرات لتخفيف
العقوبات في جرائم المخدرات غير العنيفة، وتوسيع تطبيق العقوبات البديلة، مما ساهم في تقليص الاكتظاظ في
السجون الفيدرالية بنسبة 15٪.
- تبني المحاكم المتخصصة:
- برنامج محاكم المشكلات المتخصصة «1989 – الآن»: أنشئت محاكم متخصصة للتعامل مع قضايا محددة،
مثل: قضايا المخدرات، الصحة العقلية، وقدامى المحاربين. وقد أدى البرنامج إلى تخفيض معدلات العودة للجريمة
بنسبة 25٪، ويُعد من النماذج الرائدة في الإصلاح الاجتماعي المرتبط بالعدالة.
- التدخلات الإصلاحية في المنظومة الرقابية: شهد النظام الرقابي في الولايات المتحدة الأمريكية سلسلة من التدخلات
الهيكلية والمؤسسية التي ساهمت في تعزيز الشفافية والمساءلة، وتوسيع نطاق الرقابة على أداء الأجهزة
الحكومية والقطاع الخاص، ومن أبرز هذه التدخلات:[53]
- إنشاء مكتب المساءلة الحكومية «GAO»: وهو جهاز رقابي مستقل يتبع مباشرة للكونغرس، ويُعنى
بتقييم أداء الوكالات الفيدرالية، وتحليل كفاءة الإنفاق العام، وتقديم تقارير دورية للسلطة التشريعية حول
مدى التزام المؤسسات بالقوانين والسياسات العامة.
- إنشاء مكاتب المفتشين العامين داخل الوكالات الفيدرالية: تم إقرار هذه المكاتب كأجهزة
رقابية داخلية مستقلة، تعمل على كشف الفساد، ورصد المخالفات الإدارية والمالية، وضمان التزام الجهات
الحكومية بالمعايير القانونية والإدارية.
- تأسيس لجنة الأوراق المالية والبورصات «SEC»: وُضعت هذه اللجنة لضبط وتنظيم الأسواق
المالية، والتأكد من التزام الشركات بقواعد الشفافية والإفصاح، كما تلعب دورًا حاسمًا في مكافحة الاحتيال
المالي وتعزيز النزاهة في المعاملات الاقتصادية.
- تفعيل دور الإعلام والمجتمع المدني في الرقابة: يُعد الإعلام، إلى جانب منظمات المجتمع
المدني، ركيزةً أساسية ضمن ما يُعرف بـ «السلطة الرابعة»، حيث يضطلع بدور رقابي غير رسمي لكنه مؤثر، من خلال
كشف الاختلالات، والضغط من أجل الإصلاح، وتعزيز المساءلة المجتمعية.
2-3 . تجربة المملكة المتحدة
تتميّز المنظومة العدلية والرقابية في المملكة المتحدة بخصائص مؤسسية وتنظيمية تعكس
تطورًا تاريخيًا عميقًا وتماسكًا وظيفيًا فاعلًا، ومن أبرز مميزاتها ما يلي:
- الهياكل التنظيمية: تقوم على نظام قضائي موحّد يشمل كلًا من إنجلترا وويلز، مع
بعض الخصوصيات في كل من إسكتلندا وإيرلندا الشمالية. وتُعد المحكمة العليا أعلى هيئة قضائية في المملكة
المتحدة، وقد تأسست بصيغتها الحديثة في إطار إصلاحات عام 2005. ويتكوّن الهيكل القضائي من محكمة
الاستئناف، ومحاكم التاج المختصة بالقضايا الجنائية الجسيمة، والمحاكم الجزئية المختصة بالقضايا
البسيطة.[54]
- الوحدات الهيكلية: وتتألف من:[55]
- المحكمة العليا للمملكة المتحدة، ويشغل عضويتها 12 قاضيًا.
- محكمة الاستئناف، وتنقسم إلى قسمين: مدني وجنائي.
- المحكمة العليا «High Court» التي تضم محاكم متخصصة مثل: محكمة الأسرة، محكمة العدل، ومحكمة
الملكية.
- محاكم التاج «Crown Courts» المختصة بالنظر في القضايا الجنائية الخطيرة.
- محاكم الصلح «Magistrates’ Courts» للنظر في القضايا البسيطة.
- محاكم متخصصة مثل محكمة العمل، الضرائب، الصحة العقلية.
- الثقافة التنظيمية: تُبنى على احترام التقاليد القانونية والسوابق القضائية، وتتميّز بدرجة عالية من
الاستقلالية والنزاهة، والمهنية والحياد، إضافة إلى الالتزام الصارم بالإجراءات والشكليات القانونية،
وهو ما يعزز ثقة الجمهور في العدالة.[56]
-
الكوادر الوظيفية: يُعيَّن القضاة من بين المحامين ذوي الخبرة، وتُشرف لجنة
التعيينات القضائية المستقلة «Judicial Appointments Commission»، والتي أُنشئت في عام 2006، على عملية
التعيين. كما يخضع القضاة لتدريب مستمر من خلال كلية القضاء، ويُتاح للمهنيين القانونيين مسارات متعددة
تشمل: محامي الدفاع، المدعين العامين، والمستشارين القانونيين.[57]
-
الاتصال الفعّال: تتوفر بنية معلوماتية متكاملة تربط بين مختلف مؤسسات العدالة
«الشرطة، النيابة، المحاكم». كما تُقدَّم خدمات قضائية رقمية متاحة عبر منصة GOV.UK، وتُنشر الأحكام
القضائية المهمة للجمهور تعزيزًا لمبدأ الشفافية والمساءلة.[58]
-
القوانين واللوائح والسياسات التنظيمية: تتميز بكونها مزيجًا من القانون العام
«السوابق القضائية» والتشريعات المكتوبة، ما يمنح النظام مرونة تأويلية مع استقرار تشريعي، وتندرج ضمن
هذا الإطار القوانين التالية: قانون الإصلاح الدستوري لعام 2005، وقانون المحاكم والخدمات القانونية،
ولوائح الإجراءات المدنية والجنائية، ومدونات السلوك القضائي.[59]
-
نظم العمل: تتميز نظم العمل في المحاكم البريطانية بأنها تعتمد على النظام
الاتهامي في القضايا الجنائية العادية، وعلى نظام هيئة المحلفين في القضايا الجنائية الجسيمة، ما يعزز
الشفافية ويضمن حيادية الأحكام. كما تسمح المنظومة باللجوء إلى الوساطة والتحكيم كبدائل للتقاضي، وتتبنى
نظام الدفاع العام وصندوق المساعدة القانونية لتوفير الدعم القانوني للفئات غير القادرة.[60]
1-2-3 . التدخلات الإصلاحية في المنظومة العدلية والرقابية البريطانية
- التدخلات الإصلاحية في المنظومة العدلية: شهدت المملكة المتحدة تنفيذ مجموعة من
الإصلاحات الهيكلية والتقنية لتعزيز استقلال القضاء ورفع كفاءته، ومن أبرزها:
- الإصلاح الدستوري «2005»: تم بموجبه فصل السلطة القضائية عن السلطة التشريعية، من خلال
إنشاء المحكمة العليا كهيئة مستقلة عن مجلس اللوردات، مما أدى إلى تعزيز استقلال القضاء ورفع مستوى ثقة
الجمهور بالعدالة بنسبة 22٪.
- برنامج تحديث المحاكم «2016-2022» «HMCTS Reform Programme»: استثمرت الحكومة البريطانية
نحو 1.2 مليار جنيه إسترليني لتحديث نظام المحاكم، بما في ذلك إنشاء محاكم رقمية وخدمات إلكترونية، مما أسهم
في تقليص زمن التقاضي في القضايا المدنية بنسبة 40٪.
- إصلاح نظام المساعدة القانونية «2012–2013»: أُعيدت هيكلة نظام المساعدة القانونية بهدف
تحسين الكفاءة وتقليل النفقات، مع ضمان استمرار الدعم للفئات الأكثر احتياجًا.
- برنامج التحول الرقمي للعدالة الجنائية «2013–2018»: طُوّر نظام إلكتروني مشترك لإدارة
القضايا الجنائية يربط بين الشرطة، والنيابة، والمحاكم، وأسفر عن تقليل معدل الأخطاء بنسبة 30٪، وتسريع
الإجراءات القضائية بنسبة 20٪.[61]
- في المنظومة الرقابية: اتسمت الإصلاحات الرقابية في المملكة المتحدة بتعزيز استقلالية
الأجهزة الرقابية وتوسيع رقعة المساءلة، ومن أبرز هذه التدخلات:
- إنشاء المكتب الوطني لتدقيق الحسابات «National Audit Office»: جهة مستقلة تُقدّم تقارير
دورية للبرلمان حول أداء الأجهزة الحكومية.
- لجنة الحسابات العامة في البرلمان «Public Accounts Committee»: تضطلع بدور رقابي تشريعي
فاعل في مراجعة الإنفاق العام ومساءلة الوزراء والمسؤولين.
- مفوضية الخدمة المدنية «Civil Service Commission»: تُشرف على عمليات التوظيف في الوظائف
الحكومية لضمان العدالة والشفافية في التعيينات.
- تعيين مفتشين مستقلين في القطاعات المختلفة: يشمل ذلك قطاع التعليم، والرعاية الصحية،
والشرطة، ما يُعزز الرقابة النوعية على جودة الخدمات العامة.[62]
3-3 . التجربة الفرنسية
1-3-3 . مميزات المنظومة العدلية والرقابية الفرنسية
تتميز المنظومة العدلية والرقابية الفرنسية بتعدد المستويات وتنوع المؤسسات، وبتجذرها
التاريخي في مبادئ الدولة القانونية. ويمكن تلخيص أبرز ملامحها على النحو الآتي:
- الهياكل التنظيمية: والتي تقوم على أساس ازدواجية القضاء، حيث يُقسم إلى:
القضاء العادي، والذي يشرف عليه «محكمة النقض»، والقضاء الإداري، والذي يشرف عليه مجلس الدولة «Conseil
d’État»، كما توجد هيئات عليا مثل المجلس الدستوري المكلف برقابة دستورية القوانين، والمجلس الأعلى
للقضاء المسؤول عن إدارة شؤون القضاة.[63]
- الوحدات الهيكلية: والتي تشمل: محكمة النقض «أعلى محكمة في النظام القضائي
العادي»، ومحاكم الاستئناف المكونة من 34 محكمة على مستوى الأقاليم، المحاكم الابتدائية الكبرى
«Tribunaux de grande instance»، ومحاكم القضاء الجزئي «Tribunaux d’instance»، والمحاكم المتخصصة
«تجارية، عمالية، زراعية»، ومجلس الدولة والذي يعد أعلى محكمة في النظام القضائي الإداري، المحاكم
الإدارية الاستئنافية، المحاكم الإدارية الابتدائية، والمجلس الدستوري.[64]
- الثقافة التنظيمية: تتميز بالمهنية والتخصص العالي، والتسلسل الهرمي الواضح،
والتركيز على الإجراءات والقواعد المكتوبة، وثقافة الخدمة العامة والحياد.[65]
- الكوادر الوظيفية: يتم إعداد القضاة من خلال المدرسة الوطنية للقضاء «École
nationale de la magistrature»، ويخضع الالتحاق بالمهن القضائية لنظام مسابقات. كما يتمتع القضاة
والمدعون العامون بمسارات مهنية واضحة، ويخضعون لتدريب مستمر، ويُشترط توفر الخبرة للترقي في السلم
الوظيفي.[66]
- الاتصال الفعال: يتميز بوجود بوابة موحدة للخدمات القضائية «Justice.fr»،
ونظام معلوماتي مكتمل للقضاء «Portalis»، وآليات للتواصل بين مختلف أجهزة العدالة، ونظام خدمات المساعدة
القانونية عن بعد.[67]
- القوانين واللوائح والسياسات التنظيمية: تشمل؛ القانون المدني الفرنسي «قانون
نابليون»، وقانون الإجراءات المدنية والجنائية، والنظام الأساسي للقضاة، ولوائح تنظيم مهنة المحاماة،
ومدونات السلوك للقضاة والمدعين العامين.[68]
- نظم العمل: حيث تتبنى المحاكم الفرنسية النظام التنقيبي «Inquisitorial» في
الإجراءات الجنائية، حيث يلعب القاضي دورًا نشطًا في التحقيق. كما يوجد قاضي تحقيق مختص في القضايا
الجنائية الجسيمة. في المقابل، تعتمد المحاكم على إجراءات مبسطة في القضايا المدنية، وتُوفَّر المساعدة
القانونية للفئات غير القادرة.[69]
أما النظام الرقابي في فرنسا، فيتميز بتعدد الأجهزة وتكامل أدوارها، وأبرز مكوناته هي:[70]
- محكمة المحاسبة «Cour des Comptes»: وهي الجهة العليا المسؤولة عن مراقبة الأموال العامة،
وتقديم تقارير رقابية مستقلة حول أداء المؤسسات الحكومية.
- المفتشية العامة للمالية «Inspection Générale des Finances»: تُعنى بمراقبة أداء المؤسسات
المالية والوزارات ذات الطابع الاقتصادي.
- المفتشية العامة للإدارة «Inspection Générale de l’Administration»: تقوم بتقييم كفاءة
أداء الإدارات العامة في تنفيذ السياسات.
- الهيئة العليا للشفافية في الحياة العامة: تُشرف على الإفصاح المالي والمساءلة الوظيفية
للمسؤولين العموميين.
- المدافع عن الحقوق «Défenseur des droits»: هيئة مستقلة تُعنى بحماية حقوق الأفراد، وتلقي
الشكاوى المتعلقة بالتعسف الإداري، والتمييز، والانتهاكات المؤسسية.
2-3-3 . التدخلات الإصلاحية في المنظومة العدلية والرقابية الفرنسية
نفّذت فرنسا سلسلة من الإصلاحات الهيكلية والتشريعية الهادفة إلى تعزيز كفاءة النظام
القضائي، وتوسيع الوصول إلى العدالة، وتحقيق التوازن بين الفعالية وضمانات الحقوق. وتُعد من أبرز هذه
التدخلات:
- إصلاح خريطة القضاء «2007–2010»: أجرت الحكومة الفرنسية عملية شاملة لإعادة توزيع المحاكم
على المستوى الوطني، عبر تقليص عددها من 1206 إلى 819 محكمة، بهدف تحسين التوزيع الجغرافي للخدمات العدلية،
وتقليص النفقات التشغيلية، وهو ما أسهم في خفض التكاليف الإدارية بنسبة 15٪.
- قانون تحديث العدالة «J21» لعام 2016: مثّل هذا القانون نقلة نوعية في تحديث منظومة
العدالة، حيث أقرّ رقمنة الإجراءات القضائية، وتبسيط الدعاوى المدنية، وتوسيع خدمات العدالة الإلكترونية.
وقد أسفر عن تخفيض زمن معالجة القضايا البسيطة بنسبة 30٪، وتحسين كفاءة الأداء القضائي.
- إصلاح قانون الإجراءات الجنائية «2019»: تضمّن هذا الإصلاح تبسيط الإجراءات الجنائية،
وتعزيز ضمانات الدفاع وحقوق المتهمين، بالإضافة إلى التوسع في بدائل الاحتجاز مثل الرقابة القضائية والعمل
للمصلحة العامة، مما خفّف الضغط على السجون بنسبة 10٪.
- تطوير منصة الوساطة الإلكترونية «2019–2021»: أطلقت وزارة العدل الفرنسية منصة إلكترونية
متخصصة لتسوية النزاعات المدنية خارج أروقة المحاكم. وقد استُخدمت المنصة من قبل أكثر من 50,000 مواطن خلال
عامها الأول، وأسفرت عن تسوية ما يزيد على 65٪ من القضايا.[71]
4-3 . التجربة اليابانية
تتسم المنظومة العدلية والرقابية في اليابان بدرجة عالية من الانضباط المؤسسي والتكامل
التنظيمي، وتعكس في بنيتها وتقاليدها مزيجًا من التأثر بالنماذج الأوروبية -لا سيما النموذج الألماني-
والخصوصيات الثقافية المحلية. ويمكن إبراز خصائصها على النحو التالي:
- الهياكل التنظيمية: تتكون من المحكمة العليا ومحاكم الاستئناف والمحاكم
الجزئية والمحاكم الأسرية، مكتب النيابة العامة المستقل تنظيميًا، والمؤتمر القضائي للقضاة لإدارة شؤون
القضاء.[72]
- الوحدات الهيكلية: والتي تشمل التكوينات القضائية والإدارية التالية: المحكمة
العليا وتضم 15 قاضياً، محاكم استئناف عليا، 50 محكمة مقاطعة و438 محكمة متخصصة، 50 محكمة أسرية، مكتب
المدعي العام العالي ومكاتب الادعاء الإقليمية، بالإضافة إلى مكتب شؤون المحاكم المسؤول عن الإدارة
القضائية.[73]
- الثقافة التنظيمية: يُؤطر النظام القضائي الياباني بثقافة مؤسسية تركز على
الكفاءة والدقة، والانضباط العالي والولاء المؤسسي، والحياد والاستقلالية، والتوجه نحو المصالحة وتجنب
النزاعات.[74]
- الكوادر الوظيفية: تُنتقى الكوادر القضائية من خريجي المعهد القانوني
والتدريبي الوطني، ويخضع القضاة والمدعون العامون لمسار مهني طويل ومنظّم، يتضمن تدريبًا مستمرًا
ومراقبة أداء دقيقة، كما يحصلون على رواتب تنافسية وضمانات وظيفية قوية تعزز استقرارهم المهني
واستقلالهم.[75]
- الاتصال الفعال: تم تدعيم النظام القضائي الياباني ببنية معلوماتية متكاملة،
تتضمن أنظمة معلوماتية إلكترونية لإدارة المحاكم، وبوابات إلكترونية للمعلومات القانونية، وآليات تنسيق
فعّالة بين مختلف أجهزة العدالة، وخدمات استشارية قانونية مجانية تقدمها الدولة للمواطنين.
[76]
- القوانين واللوائح والسياسات التنظيمية: ترتكز المنظومة العدلية على: الدستور
الياباني الصادر في عام 1947، القانون المدني والجنائي «المتأثر بالنموذج الألماني»، قانون المحاكم
وقانون المدعين العامين، لوائح تنظيم مهنة المحاماة، بالإضافة إلى القواعد التفصيلية للإجراءات
القضائية.[77]
- نظم العمل: يُطبّق نظام قضائي مختلط يجمع بين النظام التنقيبي «Inquisitorial»
والنظام الاتهامي «Adversarial»، وقد تم في عام 2009 إقرار نظام المحلفين المختلط «Saiban-in»، وهو مزيج
من قضاة محترفين ومواطنين عاديين في القضايا الجنائية الكبرى. كما يُشجَّع على الوساطة والتسوية في
القضايا المدنية، ويُعتمد على إجراءات موحدة ومبسطة لتيسير العدالة.[78]
1-4-3 . التدخلات الإصلاحية في المنظومة العدلية والرقابية اليابانية
- التدخلات الإصلاحية في المنظومة العدلية: [79]
- إصلاح نظام المحلفين «2009» «Saiban-in»: تم إدخال تعديلات جوهرية على هذا النظام سمحت
بإشراك المواطنين العاديين إلى جانب القضاة المحترفين في المحاكمات الجنائية الكبرى. وقد أسهمت هذه الخطوة
في رفع ثقة الجمهور بالنظام القضائي بنسبة 30٪، وتقليص مدة المحاكمات بنسبة 20٪.
- برنامج تسريع التقاضي «2003-2011»: أُطلق هذا البرنامج بهدف تقليص زمن التقاضي في القضايا
المدنية، وتمكّن من خفض متوسط مدة القضايا المدنية الرئيسة من 20.7 شهرًا إلى 11.5 شهرًا، من خلال إعادة
تصميم الإجراءات القضائية وتسريع سير الدعوى.
- إصلاح نظام التدريب القانوني «2004»: حيث شمل هذا الإصلاح إنشاء كليات حقوق مهنية جديدة،
وتحديث نظام امتحانات المحامين التي تنظمها نقابة المحامين الوطنية. وقد أدى هذا الإصلاح إلى رفع عدد
المحامين المؤهلين سنويًا من 500 إلى 2000 محامٍ، مما عزز من القدرات القانونية في البلاد.
- برنامج المساعدة القانونية المدعوم حكوميًا «2006» «Houterasu»: حيث أنشأت الحكومة مؤسسة
وطنية مستقلة لتقديم المساعدة القانونية المجانية أو منخفضة التكلفة، وقدمت هذه المؤسسة خدماتها لأكثر من
1.5 مليون مواطن سنويًا، وأسهمت في تحسين فرص الوصول إلى العدالة في المناطق الريفية بنسبة 45٪.
- التدخلات الإصلاحية في المنظومة الرقابية: واكبت اليابان إصلاح المنظومة العدلية بتطوير مؤسسات الرقابة الإدارية والمالية، ومن أبرز هذه التدخلات: [80]
- إنشاء مجلس التدقيق المركزي: وهو جهاز مستقل يتولى الرقابة المالية على الأداء الحكومي،
ويقدّم تقارير دورية حول كفاءة استخدام المال العام.
- تكوين لجنة الخدمة المدنية الوطنية: تُعنى بالإشراف على التوظيف والترقيات في القطاع العام،
وضمان النزاهة والشفافية في الوظيفة الحكومية.
- إنشاء مكتب الشكاوى الإدارية: يوفر قناة رسمية لتلقي شكاوى المواطنين ضد المؤسسات العامة،
ويساعد في معالجة التجاوزات الإدارية.
- تطبيق نظام الرقابة الداخلية في المؤسسات العامة: فُرِض على كافة الهيئات الحكومية تطبيق
آليات رقابة ذاتية داخلية لضمان الامتثال للأنظمة، وتفادي الاختلالات الإدارية والمالية.
5-3 . تجربة سنغافورة
تُعد سنغافورة من النماذج الرائدة عالميًا في بناء منظومة عدلية ورقابية تتميز بالكفاءة
والسرعة والنزاهة. ويعود نجاح هذه المنظومة إلى تكامل بنيتها التنظيمية واعتمادها على التكنولوجيا
المتقدمة وصرامة معايير التعيين والرقابة. ويمكن تلخيص أبرز خصائصها فيما يلي:
- الهياكل التنظيمية: تتكون من المحكمة العليا والتي تشمل محكمة الاستئناف
ومحكمة العدل العليا، ومحاكم الدولة والتي تضم المحاكم الجزائية والمدنية، بالإضافة إلى المحاكم
المتخصصة مثل المحاكم الأسرية والعمالية والمخصصة للمطالبات الصغيرة.[81]
-
الوحدات الهيكلية: والتي تتكون من: محكمة الاستئناف وهي أعلى سلطة قضائية في
البلاد، محكمة العدل العليا، محاكم المقاطعات، محاكم الصلح، محكمة الأسرة، محكمة المطالبات الصغيرة،
والمحكمة التجارية الدولية، مكتب المدعي العام، هذا بالإضافة إلى أكاديمية سنغافورة القانونية.[82]
-
الثقافة التنظيمية: تتميز هذه المنظومة بثقافة مؤسسية تُركّز على الكفاءة
والسرعة في الإنجاز، الشفافية والنزاهة العالية، وعدم التسامح مطلقاً مع الفساد، والتوجه نحو خدمة
المستخدمين.[83]
-
الكوادر الوظيفية: تتميز باختيار القضاة وفق معايير صارمة من بين أفضل المحامين
والأكاديميين، ومنحهم رواتب مرتفعة تعادل رواتب المدراء التنفيذيين للشركات الكبرى، كما يحصلون على
تدريب مستمر ومكثف على أحدث الممارسات القضائية، ويخضعون لنظام تقييم صارم مرتبط بنتائج الأداء.[84]
-
الاتصال الفعال: يتميز بوجود نظام الكتروني مكتمل للمحاكم، واستخدام تطبيقات
ذكية للوصول إلى خدمات المحاكم، ونظام تواصل مكتمل بين أجهزة العدالة، وإنشاء مركز خدمة العملاء على
مدار الساعة.[85]
-
القوانين واللوائح والسياسات التنظيمية: يعتمد النظام القانوني على نظام فريد
هو مزيج من القانون العام الإنجليزي مع تعديلات محلية، بالإضافة إلى قانون خاص يسمى قانون إدارة
العدالة، وقوانين مكافحة الفساد صارمة، وقواعد إجراءات للمحاكم المختلفة، وسياسات إدارة القضايا.
العدالة، وقوانين مكافحة الفساد صارمة، وقواعد إجراءات للمحاكم المختلفة، وسياسات إدارة القضايا.[86]
- نظم العمل: تتبنى المحاكم السنغافورية إجراءات موحدة وقياسية، تشمل: نظام
الإدارة المسبقة للقضايا «Pre-Trial Management»، وإدارة القضايا المعقدة من قبل قضاة متخصصين، ونظام
الكتروني لتخصيص القضايا على القضاة وجدولتها.[87]
1-5-3 . التدخلات الإصلاحية في المنظومة العدلية والرقابية في النظام السنغافوري
- التدخلات الإصلاحية في المنظومة العدلية: نفّذت سنغافورة مجموعة من الإصلاحات الجوهرية
التي ساهمت في بناء نظام قضائي يُعد من بين الأكثر كفاءة وشفافية عالميًا، وأبرزها:
- تطوير نظام إدارة القضايا الإلكتروني «1995-2000» «ICMS»: حيث استُثمر ما يقارب 59 مليون
دولار في بناء نظام إلكتروني شامل لإدارة القضايا. وقد أدى إلى خفض متوسط مدة الفصل في القضايا المدنية من
مدة كانت تصل إلى 50 شهرًا خلال ثمانينات القرن الماضي إلى أقل من 18 شهرًا اليوم.
- تطبيق نظام التقاضي الإلكتروني «2011-2013» «eLitigation»: حيث قامت الحكومة بتطوير الجيل
الثاني من النظام القضائي الإلكتروني باستثمار قدره 35 مليون دولار. مما أدى إلى تقديم 100٪ من القضايا
إلكترونيًا، وتقليص زمن معالجة المستندات الذي كان يتراوح ما بين 3 - 5 أيام إلى أقل من 24 ساعة.
- إنشاء مركز حل المنازعات الإلكتروني «2018»: أطلقت سنغافورة منصة لحل المنازعات البسيطة
إلكترونياً، وتمكنت من تسوية 80٪ من القضايا خلال أسبوعين فقط دون الحاجة إلى الحضور للمحكمة.
- إصلاح نظام اختيار القضاة «2007-2012»: حيث طُبّق نظام جديد في اختيار القضاة، يجمع بين
التميز الأكاديمي والخبرة العملية، ما أسفر عن رفع ثقة الجمهور بالنظام القضائي بنسبة 22٪، وفقًا لاستطلاعات
رسمية.[88]
- التدخلات الإصلاحية في المنظومة الرقابية: سعت الحكومة السنغافورية إلى تعزيز فعالية
واستقلالية الأجهزة الرقابية عبر عدة إجراءات استراتيجية، من أبرزها:[89]
- ربط جهاز التحقيق في ممارسات الفساد «CPIB»، وكذلك مكتب المراجع العام مباشرة برئيس
الوزراء، لضمان استقلالهما التام في العمل الرقابي.
- تشكيل لجنة الخدمة العامة، والتي تُشرف على تعيينات وترقيات كبار الموظفين الحكوميين، وتضمن
نزاهة العملية الإدارية.
- تبني نظام الإعلان عن الذمة المالية، حيث ألزمت كبار المسؤولين بالكشف عن ممتلكاتهم
وأصولهم، كأداة لتعزيز الشفافية ومنع تضارب المصالح.
6-3 . التجربة المغربية
تُعد المملكة المغربية نموذجًا عربيًا بارزًا في مجال الإصلاح التدريجي للمنظومة العدلية
والرقابية، خاصة بعد التعديلات الدستورية لعام 2011، وقد تميزت منظومتها بعدد من الخصائص المؤسسية
والتنظيمية، يمكن تلخيصها فيما يلي:
- الهياكل التنظيمية: والتي تتكون من: محكمة النقض كأعلى هيئة قضائية، محاكم
الاستئناف والمحاكم الابتدائية، والمحاكم المتخصصة مثل المحاكم الإدارية والتجارية، بالإضافة إلى المجلس
الأعلى للسلطة القضائية والمحكمة الدستورية.[90]
-
الوحدات الهيكلية: والتي تشمل محكمة النقض، 21 محكمة استئناف و65 محكمة
ابتدائية، 8 محاكم تجارية و3 محاكم استئناف تجارية، 7 محاكم إدارية ومحكمتي استئناف إدارية، المجلس
الأعلى للسلطة القضائية، رئاسة النيابة العامة والتي أصبحت مستقلة عن وزارة العدل منذ عام 2017، والمعهد
العالي للقضاء.[91]
-
الثقافة التنظيمية: تمتاز المنظومة القضائية المغربية بخصوصية تمزج بين
التقاليد القانونية الفرنسية والقيم الإسلامية، مع سعي حثيث لتعزيز ثقافة استقلال القضاء بعد أحداث
الربيع العربي، وتنفيذ الإصلاحات بشكل تدريجي ومنفتح على المبادئ والمعايير الدولية.[92]
-
الكوادر الوظيفية: يُختار القضاة من خريجي المعهد العالي للقضاء، وتسعى
الحكومة إلى تعزيز تأهيلهم من خلال برامج تدريبية مستمرة وتحسين ظروفهم المادية والمعنوية. وقد أحرز
المغرب تقدمًا ملحوظًا في تعزيز دور المرأة القضائية، حيث تشكل النساء نحو ٪30 من السلك القضائي.[93]
-
الاتصال الفعال: يُدعم النظام العدلي المغربي بمنظومة معلوماتية تشمل بوابة
الكترونية للخدمات القضائية، مراكز استقبال وإرشاد داخل المحاكم، نظام معلوماتي يربط بين مؤسسات
العدالة، ومركز اتصال خاص بخدمة المتقاضين.[94]
-
القوانين واللوائح والسياسات التنظيمية: تستند المنظومة إلى قاعدة دستورية
وتشريعية معززة منذ عام 2011، وتشمل دستور العام 2011 الذي عزز استقلالية القضاء، القانون التنظيمي
للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، القانون التنظيمي للنظام الأساسي للقضاة، قوانين المسطرة المدنية
والجنائية، مدونة السلوك القضائي.[95]
-
نظم العمل: تتميز بوجود مكاتب المساعدة القانونية، آليات الوساطة القضائية
وبدائل تسوية النزاعات، نظام المساعدة القضائية للفئات الهشة، إجراءات خاصة للقضايا المستعجلة.[96]
1-6-3 . التدخلات الإصلاحية في المنظومة العدلية والرقابية في المغرب
شهد المغرب، خلال العقد الأخير، تحولات بارزة في منظومته العدلية والرقابية، عكست إرادة
سياسية لإرساء استقلال السلطة القضائية وتعزيز فعالية الرقابة. وتجلّت أبرز الإصلاحات فيما يلي: [97]
- إصلاحات المنظومة العدلية:
- إصدار ميثاق إصلاح منظومة العدالة «2013-2020»: حيث مثّل هذا الميثاق خطة استراتيجية شاملة
لإصلاح القضاء، تضمنت 36 مشروعًا استراتيجيًا و353 إجراءً تنفيذياً. وقد أفضى تطبيقه إلى تنفيذ ما نسبته 80٪
من الإجراءات المقرّرة، وتحسّنت على إثره مؤشرات جودة العدالة بنسبة 25٪، وفق تقارير رسمية.
- استقلالية النيابة العامة «2017»: حيث تم اتخاذ قرار بفصل رئاسة النيابة العامة عن وزارة
العدل، ومنحها استقلالًا إداريًا وماليًا، مما أدّى لتعزيز استقلالية عمل النيابة العامة، وتحسين أدائها
الوظيفي والمؤسسي.
- المحكمة الرقمية «2018-2020»: حيث أطلقت الحكومة مشروعًا رقميًا لأتمتة الخدمات القضائية،
شمل 12 خدمة قضائية رئيسية. وبلغ عدد المستخدمين أكثر من 3 ملايين متقاضٍ، وأسفر المشروع عن تقليص زمن
الإجراءات بنسبة 40٪، وتعزيز كفاءة الخدمات القضائية.
- تقنية العدالة عن بعد «2020»: استجابة لجائحة كوفيد-19، فعّلت الحكومة المغربية نظام
المحاكمات عن بُعد. وقد أُنجزت أكثر من 33,000 جلسة خلال ثلاثة أشهر فقط، وتمت معالجة ما يزيد عن 8,000 قضية
رغم ظروف الإغلاق، ما عكس مرونة النظام القضائي واستعداده الرقمي.
- إصلاحات المنظومة الرقابية: على صعيد الرقابة المالية والإدارية، فقد تبنّت الحكومة المغربية حزمة من التدخلات المؤسسية،
كما قامت بإنشاء هيئات عديدة لتعزيز دورها الرقابي وهي:[98]
- إنشاء المجلس الأعلى للحسابات: كمؤسسة عليا للرقابة المالية، تتولى التدقيق في إنفاق المال
العام وتقديم تقارير دورية للملك والبرلمان.
- إنشاء الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة: التي تطورت لاحقًا إلى هيئة وطنية مستقلة تعنى
بمحاربة الفساد وتعزيز الشفافية.
- إنشاء المفتشية العامة للمالية: التي تمارس رقابة إدارية ومالية على الوزارات والمؤسسات
العمومية.
- إنشاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان: الذي يتولى مراقبة احترام الحقوق والحريات، ويتقاطع
عمله مع المنظومة الرقابية في تعزيز المساءلة والشفافية.
7-3 . التجربة الأردنية
تُعد الأردن من النماذج العربية التي شهدت تحولات نوعية في بنيتها العدلية والرقابية،
خصوصًا في العقد الأخير. وقد تميزت منظومتها بالخصائص التالية:
- الهياكل التنظيمية: وتشمل محكمة التمييز ومحاكم الاستئناف والمحاكم البدائية،
المحاكم المتخصصة مثل المحاكم الإدارية، والضريبية والجمركية، المجلس القضائي لإدارة شؤون القضاء،
بالإضافة للمحكمة الدستورية والتي تأسست عام 2012.[99]
-
الوحدات الهيكلية: تتكون من: محكمة التمييز كأعلى هيئة قضائية، 3 محاكم
استئناف، 16 محكمة ابتدائية، 43 محكمة صلح، المحكمة الإدارية والمحكمة الإدارية العليا، محكمة أمن
الدولة، محاكم ضريبة وجمركية، المعهد القضائي الأردني، بالإضافة إلى رئاسة النيابة العامة.[100]
-
الثقافة التنظيمية: تتسم بالاحترافية والانفتاح على التطوير والتغيير،
والاستفادة من التجارب الأخرى ومعايير ومبادئ العدالة الدولية، ومراعاة التوازن بين التقاليد المحلية
والممارسات العالمية.[101]
-
الكوادر الوظيفية: يُعيَّن القضاة من خريجي المعهد القضائي أو من بين المحامين
ذوي الكفاءة. ويحصل القضاة على برامج تدريب مستمر، ويخضعون لنظام تقييم أداء دوري وشفاف، مع وجود اهتمام
واضح بتعزيز دور المرأة في السلك القضائي.[102]
-
الاتصال الفعال: وهو ما يتجسّد عبر: منصة ميزان الإلكترونية للخدمات القضائية،
ومركز الاتصال الموحد التابع لوزارة العدل، نظام تبادل للمعلومات بين المؤسسات العدلية، وخدمة الاستعلام
النصي عن القضايا.[103]
-
القوانين واللوائح والسياسات التنظيمية: شملت القيام بتعديلات دستورية عام
2011 لتعزيز استقلالية القضاء، إصدار قانون استقلال القضاء، وقانون المحاكم النظامية، وقانون أصول
المحاكمات المدنية والجزائية، بالإضافة لإصدار مدونة السلوك القضائي.[104]
-
نظم العمل: تشمل إنشاء نافذة موحدة للخدمات القضائية، وضع نظام إدارة القضايا،
تبني برامج الوساطة القضائية، إنشاء مكاتب فنية في المحاكم لمساعدة القضاة.[105]
1-7-3 . التدخلات الإصلاحية في المنظومة العدلية الرقابية في الأردن
- إصلاحات المنظومة العدلية: والتي شملت:[106]
- مشروع أتمتة المحاكم «2015-2019»: حيث استثمرت الحكومة 15 مليون دينار أردني لرقمنة
الإجراءات القضائية، وتم رقمنة 7 ملايين ملف قضائي، مما أسفر عن تقليص متوسط زمن الفصل في القضايا بنسبة
30٪.
- استراتيجية تطوير القضاء «2017-2021»: وهي خطة شاملة لتطوير منظومة العدالة في الأردن،
تبنتها الحكومة ودعمها الاتحاد الأوروبي بمبلغ 50 مليون يورو، حققت الخطة 75٪ من الأهداف، ما أدى لتحسّن
ترتيب الأردن في مؤشرات سيادة القانون الدولية.
- إنشاء غرف اقتصادية متخصصة «2018»: حيث أُنشئت الحكومة غرفًا قضائية مختصة بالقضايا
الاقتصادية، مما قلص متوسط مدة البت في ذلك النوع من القضايا من 730 يومًا إلى 160 يومًا فقط.
- برنامج العدالة الجنائية «2016-2020»: وهو برنامج نُفّذ بالتعاون مع الوكالة الأمريكية
للتنمية الدولية «USAID»، وأسهم في خفض نسبة الموقوفين قبل المحاكمة من 38٪ إلى 25٪ من نزلاء السجون.
- إصلاحات المنظومة الرقابية: ويتمثل أهمها بالتالي:[107]
- إنشاء ديوان المحاسبة، كجهة عليا للرقابة المالية.
- تأسيس هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، لتعزيز المساءلة والشفافية.
- إحداث ديوان المظالم لمعالجة شكاوى المواطنين ضد الجهات الحكومية.
- إنشاء وحدات رقابة داخلية في مختلف مؤسسات الدولة، لضمان الامتثال والرقابة الذاتية.
8-3 . الدروس المستفادة من التجارب العالمية
أظهرت التجارب الدولية في إصلاح المنظومات العدلية والرقابية مجموعة من المبادئ
والممارسات الرشيدة التي يمكن الاستفادة منها عند صياغة أي مشروع إصلاحي مشابه، ويمكن تلخيص أبرز هذه
الدروس في الآتي:
- تعزيز الاستقلالية المؤسسية: يمثّل استقلال القضاء والأجهزة الرقابية أحد الشروط الجوهرية لتحقيق الفاعلية، إذ لا
يمكن ضمان نزاهة الأحكام أو دقة الرقابة في ظل تبعية سياسية أو إدارية.
- اتباع نهج إصلاحي تدريجي: أثبتت التجارب أهمية التدرج المرحلي في تنفيذ الإصلاحات العدلية، بما يسمح بتكيّف
المؤسسات مع التغيير، وتفادي المقاومة المؤسسية أو المجتمعية المفاجئة.
- تحقيق التوازن بين الاستقلالية والمساءلة: لا يكفي منح
المؤسسات العدلية والرقابية استقلالًا تنظيميًا، بل يجب أن يترافق ذلك مع وجود آليات فعالة للمساءلة
والرقابة الداخلية والخارجية، لضمان عدم الانحراف عن الأهداف.
- الاستثمار في بناء القدرات البشرية: أظهر الواقع أن تطوير أداء المنظومة العدلية مرهون بجودة
كوادرها، ما يستوجب توفير برامج تدريبية مستمرة، ومسارات مهنية واضحة، وآليات تقييم شفافة.
- التحول الرقمي كأداة إصلاح: ساهمت التكنولوجيا الحديثة
في تحسين كفاءة المحاكم، وتقليص مدد التقاضي، وتيسير وصول المواطنين إلى الخدمات العدلية، ما يجعلها عنصراً
أساسياً في أي إصلاح مستقبلي.
- تعزيز التخصص القضائي: أثبتت المحاكم المتخصصة
«الاقتصادية، التجارية، الأسرية...» فعاليتها في التعامل مع القضايا المعقدة والمستحدثة، خاصة عند ربطها
بتأهيل متخصص للقضاة.
- التركيز على الجوانب الإنسانية: لا تقتصر العدالة على
الجانب القانوني فحسب، بل تشمل أيضًا تحسين تجربة المتقاضين، وتسهيل وصولهم إلى العدالة، من خلال مراكز
إرشاد، ومساعدة قانونية، وآليات بديلة لحل النزاعات.
- أهمية التقييم والتقويم المستمر: من الضروري أن تخضع
الإصلاحات العدلية والرقابية لمراجعة دورية، تُقيّم مدى فاعليتها وتكشف مواطن القصور، بما يضمن التكيف
المستمر مع المتغيرات ورفع الأداء المؤسسي.[108]
جدول «3»
أهم إصلاحات الدول في المنظومة العدلية وإمكانية تطبيقها في اليمن
استقلالية القضاء
|
المجلس الأعلى للقضاء «المغرب»، لجنة اختيار القضاة «بريطانيا»
|
متوسطة، تحتاج لتعديلات دستورية وقانونية وإرادة سياسية
|
التحول الرقمي
|
نظام إدارة القضايا «سنغافورة»، المحاكم الإلكترونية «الأردن»
|
منخفضة، تحتاج لبنية تحتية وتدريب
|
بناء القدرات
|
المعهد القضائي الفيدرالي «أمريكا»
|
مرتفعة، يمكن تطوير المعهد العالي للقضاء
|
مكافحة الفساد
|
مكتب التحقيق في ممارسات الفساد «سنغافورة»
|
متوسطة، تحتاج لإرادة سياسية قوية
|
آليات بديلة لحل النزاعات
|
الوساطة والتحكيم «اليابان»، الصلح القضائي «فرنسا»
|
مرتفعة، تنسجم مع الثقافة المجتمعية
|
4. الرؤية المقترحة لإصلاح المنظومة العدلية والرقابية في اليمن
1-4 . المحددات الرئيسية للخطة
من تحليل ودراسة التجارب العالمية المختلفة، وتقييم مدى ملاءمتها للواقع اليمني، يمكن
استنباط الدروس التالية التي ستساعد في وضع رؤية لتطوير مكونات المنظومة العدلية اليمنية:
1-1-4 . على مستوى الهياكل التنظيمية والوحدات الهيكلية
استنادًا إلى تحليل التجارب العالمية المختلفة، وتقييم مدى قابليتها للتطبيق في السياق
اليمني، يمكن بلورة مجموعة من التوصيات العملية التي تشكل نواة رؤية إصلاحية شاملة، وتحديدًا على صعيد
الهياكل التنظيمية والوحدات المؤسسية للمنظومة العدلية، على النحو الآتي:
- تعزيز استقلالية القضاء: ينبغي إعادة هيكلة مجلس القضاء الأعلى وضمان استقلاله الكامل
ماليًا وإداريًا، من خلال توفير الضمانات المؤسسية والموارد الكافية التي تُترجم استقلال القضاء من إطار
النصوص القانونية إلى واقع مؤسسي عملي.
- تعزيز اللامركزية القضائية: يتطلب السياق اليمني، ذو الطبيعة الجغرافية والاجتماعية
المتنوعة، تبنّي نموذج لا مركزي في إدارة المحاكم، مع الحفاظ على وحدة النظام القضائي العام. ويمكن
الاستفادة هنا من النموذجين الألماني والإسباني، حيث نجح كلا البلدين في تحقيق التوازن بين استقلالية القضاء
المحلي ووحدة النظام القضائي الوطني.[109]
- إنشاء محاكم متخصصة: يوصى بالتوسّع في إنشاء محاكم متخصصة «تجارية، عمالية، ضريبية، جمركية،
ومحاكم الأحوال الشخصية»، لما لها من أثر مباشر في تسريع التقاضي وتحقيق العدالة المتخصصة. وتشير تجربة
الأردن في هذا المجال إلى تخفيض زمن الفصل في القضايا الاقتصادية من 730 يومًا إلى 160 يومًا بفضل إنشاء غرف
قضائية متخصصة.[110]
- تعزيز التكامل بين مكونات المنظومة العدلية والرقابية: يتطلب الإصلاح الحقيقي تطوير آليات
تنسيق وتكامل بين المؤسسات القضائية والرقابية، لضمان تبادل المعلومات، وعدم تضارب الاختصاصات. ويمكن
الاستفادة من النموذج الفرنسي، الذي اعتمد على نظام Portalis كمنصة موحّدة تربط بين مكونات المنظومة
العدلية، ما أسهم في تحسين الأداء العام ورفع كفاءة المتابعة القضائية.
- إعادة توزيع الوحدات الهيكلية: يتعين إعادة النظر في التوزيع الجغرافي للمحاكم، بهدف تقريب
العدالة من المواطنين في الأرياف والمناطق النائية، وتخفيف الضغط على المحاكم المركزية. وتُعد التجربة
الفرنسية نموذجًا ملهمًا، حيث أدّت عملية إعادة رسم خريطة القضاء «2007–2010» إلى تحسين التوزيع الجغرافي
وتقليص الكلفة التشغيلية بنسبة 15٪.
2-1-4 . على مستوى الكوادر الوظيفية
تُعد الكوادر البشرية المحرك الرئيس لفاعلية أي منظومة عدلية ورقابية، ولذلك فإن أي إصلاح
بنيوي يجب أن يوازيه إصلاح في آليات التعيين، والتدريب، والتحفيز، والتقييم. ويمكن في هذا السياق
الاستفادة من التجارب الدولية الرائدة لتطوير الكوادر القضائية والرقابية في اليمن، من خلال التوصيات
التالية:
- اعتماد آليات موضوعية لاختيار القضاة وأعضاء النيابة: ينبغي تطوير معايير واضحة وشفافة تقوم
على الكفاءة والنزاهة عند اختيار القضاة، بعيدًا عن التدخلات السياسية أو الاعتبارات غير المهنية. ويمكن
الاسترشاد بالتجربة البريطانية التي أنشأت لجنة مستقلة للتعيينات القضائية، وأسهمت هذه الآلية في رفع ثقة
الجمهور بالنظام القضائي بنسبة 22٪، وفقًا لاستطلاعات الرأي الرسمية.[111]
- الاستثمار في التدريب والتأهيل المستمر: من الضروري تبني خطة وطنية للتأهيل المهني تشمل
برامج متخصصة للقضاة وأعضاء النيابة والعاملين في الأجهزة الرقابية، بما يعزز قدراتهم القانونية والإدارية.
ويُستفاد في هذا السياق من التجربة اليابانية التي تفرض على القضاة خضوعًا لتدريب مكثف يمتد حتى سنتين قبل
مباشرة العمل القضائي، مما ينعكس إيجابًا على جودة الأحكام وانضباط الأداء.[112]
- تحسين الأوضاع المالية والمعيشية: يُوصى بوضع استراتيجية مرنة لأجور ومزايا القضاة تأخذ
بعين الاعتبار معدل التضخم، وتحقق الحد الأدنى من الكرامة والاستقرار المادي، لما لذلك من أثر مباشر على
مكافحة الفساد. وقد أظهرت تجربة سنغافورة أن منح القضاة رواتب تعد من الأعلى عالميًا مكّن النظام القضائي من
جذب أفضل الكفاءات، ورسّخ ثقافة النزاهة والحياد.
- تطوير نظام تقييم الأداء: يتطلب الأمر إنشاء نظام مؤسسي شفاف لتقييم الأداء القضائي، يستند
إلى مؤشرات كمية ونوعية، مع ربط التقييم بالتطوير المهني والترقيات. وتُعد التجربة الماليزية مثالًا رائدًا
في هذا المجال، حيث أسهم نظام مؤشرات الأداء القضائي في تحسين أداء القضاة بنسبة 35٪ خلال سنوات قليلة.
- تعزيز التنوع والتمثيل داخل الجهاز القضائي: من المهم إرساء مبدأ العدالة التمثيلية داخل
القضاء، من خلال تعزيز مشاركة المرأة، وتمكين الفئات المهمّشة من الوصول إلى المناصب القضائية. وقد حققت
كندا تقدمًا ملحوظًا في هذا السياق، حيث أدى اعتماد استراتيجية التنوع القضائي إلى رفع نسبة القاضيات من 29٪
إلى 45٪ خلال عقد واحد فقط.[113]
3-1-4 . على مستوى القوانين والسياسات التنظيمية
تشكل البيئة التشريعية والإجرائية الأساس الذي تستند إليه المنظومة العدلية والرقابية،
ومن ثم فإن أي إصلاح شامل يجب أن يُترجم إلى قوانين واضحة، وسياسات تنفيذية فعّالة، تراعي المعايير
الدولية ومتطلبات السياق الوطني. ومن أبرز ملامح الإصلاح المقترح في هذا الجانب:
- تحديث وتوحيد التشريعات: تتطلب المرحلة الراهنة مراجعة شاملة وتحديثًا متسقًا للتشريعات
المنظمة للعمل القضائي والرقابي، بما يضمن استقلالية القضاء، ويوفر الحماية القانونية للقضاة والعاملين في
الجهاز العدلي، فضلًا عن تأمين الشهود والمبلّغين. وقد قدمت التجربة المغربية نموذجًا متقدمًا في هذا الصدد،
حيث تم تحديث أكثر من 40 قانونًا ومرسومًا ضمن إطار ميثاق إصلاح منظومة العدالة «2013-2020».[114]
- تعزيز ضمانات المتقاضين: يُوصى بتطوير النصوص القانونية المتعلقة بحقوق المتقاضين، من خلال
تحديد مدد زمنية ملزمة للفصل في أنواع القضايا، وتقنين إجراءات تسريع المحاكمات. وتُعد التجربة الفرنسية
نموذجًا رائدًا في هذا المجال من خلال قانون تحديث العدالة «J21»، الذي أدى إلى خفض وقت معالجة القضايا
البسيطة بنسبة 30٪.
- تطوير قوانين مكافحة الفساد: ينبغي تحديث قوانين مكافحة الفساد لتشمل توسيع صلاحيات الهيئات
الرقابية، وتوفير حماية قانونية شاملة للمبلّغين والشهود، وضمان انسجام هذه القوانين مع الاتفاقيات الدولية.
وتُعد كل من سنغافورة وماليزيا من النماذج التي منحت هيئات مكافحة الفساد صلاحيات واسعة، وهو ما أسهم في رفع
مستوى الأداء الرقابي وخفض نسب الفساد.
- تبني آليات بديلة لحل النزاعات: ينبغي تعزيز الوسائل البديلة لحل النزاعات، بما في ذلك
الوساطة، التحكيم، والتسوية الودية، عبر تطوير الإطار التشريعي الناظم لها، وتوسيع نطاق استخدامها في
القضايا المدنية والتجارية. وقد أثبتت التجربة اليابانية فاعلية هذه الوسائل، حيث يتم تسوية أكثر من 60٪ من
النزاعات المدنية خارج أروقة المحاكم.
- وضع سياسات تنظيمية واضحة وموحدة: يتطلب الإصلاح أيضًا تطوير سياسات وإجراءات معيارية توجّه
عمل القضاة وتوحّد الممارسات القضائية في مختلف المحاكم، ما يسهم في رفع مستوى الاتساق والعدالة. وتبرز هنا
التجربة الأمريكية، التي طوّرت قواعد الإجراءات الفيدرالية المدنية والجنائية، ما عزز من توحيد الأداء
القضائي على مستوى الدولة الفيدرالية.[115]
4-1-4 . على مستوى الاتصال ونظم العمل
يُعد الاتصال المؤسسي الفعّال وتحديث نظم العمل من الركائز الجوهرية لبناء منظومة عدلية
ورقابية كفؤة وشفافة. ويستوجب هذا الجانب مجموعة من التدخلات التنظيمية والتقنية المستلهمة من التجارب
الدولية الرائدة، يمكن تلخيصها في الآتي:
- أتمتة الإجراءات القضائية: تطوير نظام إلكتروني شامل لإدارة القضايا، يغطّي جميع مراحل
التقاضي بدءًا من قيد الدعوى وحتى إصدار الحكم. وقد أظهرت تجربتا سنغافورة والإمارات فعالية هذه الأتمتة،
حيث أسهمت في خفض زمن معالجة المستندات من أيام إلى ساعات،[116] وتيسير
تدفق العمل داخل المحاكم.
- إنشاء قاعدة بيانات قضائية إلكترونية: يتطلب الإصلاح الرقمي بناء قاعدة بيانات مركزية
للأحكام، والتشريعات، والسوابق القضائية، تتيح الوصول الإلكتروني المنظم للجهات القضائية والمواطنين، على
غرار نظام PACER الأمريكي، الذي مثّل تحولًا جذريًا في إتاحة المعلومات القضائية وتعزيز الشفافية.
- تطوير نظام خدمات إلكترونية للمتقاضين: ينبغي إنشاء بوابة إلكترونية موحدة تمكّن المواطنين
من رفع الدعاوى، متابعة القضايا، ودفع الرسوم القضائية إلكترونيًا، كما هو الحال في منصة «ميزان» الأردنية
التي تقدم أكثر من 70 خدمة إلكترونية قضائية، وساهمت في تحسين تجربة المتقاضين.
- تعزيز الربط الإلكتروني بين الجهات المعنية: يتطلب إصلاح العدالة الرقمية ربط المحاكم
بالنيابات، والشرطة، ومراكز الاحتجاز، وهيئات الرقابة من خلال نظام إلكتروني موحد، وهو ما نجحت في تحقيقه
سنغافورة وماليزيا، حيث أدى الربط المؤسسي إلى تسريع وتيرة التقاضي، وتعزيز كفاءة التنسيق المؤسسي.
- تبسيط إجراءات العمل القضائي: يتطلب التحول الرقمي إعادة هندسة الإجراءات القضائية لتكون
أبسط، وأكثر كفاءة، كما أظهرت التجربة البريطانية التي أدت فيها مبادرة تبسيط التقاضي المدني إلى تقليص عدد
الخطوات الإجرائية بنسبة 40٪، وتحسين تجربة المتقاضين.
5-1-4 . على مستوى الثقافة التنظيمية
تُعد الثقافة المؤسسية المحرّك الخفي لجودة الأداء والالتزام المهني، ويقتضي تطوير
المنظومة العدلية والرقابية في اليمن ترسيخ ثقافة مؤسسية جديدة قائمة على القيم والمبادئ المهنية. وتشمل
المحاور الآتية:
- تعزيز ثقافة النزاهة والشفافية: ينبغي نشر قيم المساءلة، ومكافحة الفساد، وعدم التسامح مع
التجاوزات، من خلال التدريب، والتوعية، ومدونات السلوك، مستفيدين من تجربة سنغافورة، التي قامت على ترسيخ
ثقافة «صفر تسامح» مع الفساد، مما انعكس على مؤشرات الثقة العامة.
- ترسيخ ثقافة خدمة المواطن: تحتاج العدالة اليمنية إلى التحول نحو نموذج عدالة متمحور حول
المواطن، كما في التجربة الكندية، التي جعلت من خدمة المتقاضين مبدأ مؤسسًا لكل القرارات والإجراءات
القضائية، وكرّست ذلك في تصميم السياسات المؤسسية. [117]
- تشجيع الابتكار والتطوير المؤسسي: يتطلب الواقع اليمني تعزيز الإبداع الإداري والقضائي،
وتحفيز العاملين على تقديم حلول مبتكرة ومبادرات تطويرية، كما هو الحال في تجربة إستونيا، التي نجحت في دمج
التقنية بالابتكار القانوني لبناء نظام عدلي رقمي متقدّم.[118]
- تعزيز ثقافة العمل الجماعي والتكامل المؤسسي: ينبغي تعزيز روح الفريق داخل الأجهزة العدلية
والرقابية، وتشجيع العمل التشاركي والتنسيق بين الجهات، على غرار التجربة اليابانية، التي أولت أهمية بالغة
لتناغم الفرق العدلية والمؤسسية.
- ترسيخ ثقافة الاحترافية والانضباط: يتوجب على مؤسسات العدالة في اليمن اعتماد مدونات سلوك
واضحة تستلهم مبادئ بانغالور للسلوك القضائي، ونظام مدونات السلوك الأمريكي، بما يضمن احترام القواعد
المهنية، وتعزيز استقلال القضاء، ونزاهة الأداء القضائي.[119]
2-4 . الخطوات العملية لخطة إصلاح المنظومة العدلية والرقابية في اليمن
تعكس هذه الخطة توجهًا استراتيجيًا يقوم على النهوض الشامل بالمنظومة العدلية والرقابية
في اليمن، من خلال إعادة هيكلتها، وتعزيز استقلاليتها، ورفع كفاءتها، وتوسيع نطاق ثقة المواطن بها.
وتستند هذه الرؤية إلى المبادئ العامة المعتمدة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP [120]،
لا سيما فيما يتعلق بالحكم الرشيد، وسيادة القانون، وتعزيز الشفافية والمساءلة.
1-2-4 . الأهداف الاستراتيجية للخطة
- تعزيز استقلالية المنظومة العدلية والرقابية، وحمايتها من أشكال التدخل السياسي أو
الاجتماعي أو الأمني.
- رفع كفاءة وفعالية المؤسسات القضائية والرقابية، وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.
- ترسيخ مبادئ النزاهة والشفافية والمساءلة في عمل المؤسسات العدلية والرقابية.
- استعادة وتعزيز ثقة المواطنين في أداء السلطة القضائية والأجهزة الرقابية.
- مواكبة التطورات التكنولوجية، وتوظيف التحول الرقمي في تطوير الأداء المؤسسي والعدلي
والرقابي.
2-2-4 . المراحل المقترحة للتنفيذ
- المرحلة الأولى: قصيرة المدى «1–2 سنة»:
تُعد هذه المرحلة تأسيسية، وتهدف إلى التهيئة المؤسسية والتشريعية لعملية
الإصلاح. وتشمل الأنشطة التالية: [121]
- إجراء تقييم شامل ودقيق لواقع المنظومة العدلية والرقابية، من حيث الهياكل، والتشريعات،
والكوادر، والقدرات التقنية.
- مراجعة وتحديث التشريعات الأساسية الناظمة للسلطة القضائية والأجهزة الرقابية، بما يضمن
استقلالها، ويعزز امتثالها للمعايير الدولية.
- إعداد وتنفيذ برامج عاجلة لبناء القدرات وتدريب القضاة وأعضاء النيابة العامة، والعاملين في
المؤسسات الرقابية.
- تحسين البنية التحتية للمحاكم والمؤسسات الرقابية، وتوفير الحد الأدنى من التجهيزات التقنية
والخدمية.
- تبسيط الإجراءات القضائية والرقابية، لتسريع البت في القضايا، وتحسين تجربة المتقاضين.
- المرحلة الثانية: متوسطة المدى «2–5 سنوات»:
تهدف هذه المرحلة إلى إعادة هيكلة المؤسسات وتوسيع نطاق الإصلاح التدريجي، وتشمل:
- إعادة هيكلة المؤسسات العدلية والرقابية وفق رؤية مؤسسية مكتملة تتماشى مع مبادئ الحوكمة
الرشيدة.
- تطوير نظام حديث لإدارة الموارد البشرية داخل المنظومة العدلية والرقابية، يشمل التوصيف
الوظيفي، والتقييم، والتحفيز.
- البدء في تنفيذ التحول الرقمي التدريجي للخدمات القضائية والرقابية، وربط المؤسسات المعنية
بمنظومة إلكترونية موحدة.
- تعزيز آليات التفتيش والرقابة الداخلية على أداء المحاكم والهيئات الرقابية، لضمان الجودة
والامتثال.
- تفعيل الوسائل البديلة لتسوية النزاعات «الوساطة، التحكيم، الصلح»، وتوفير البيئة القانونية
والمؤسسية المناسبة لها.
- المرحلة الثالثة: طويلة المدى «5–10 سنوات»:
تهدف هذه المرحلة إلى ترسيخ الإصلاحات وتوسيعها على المستوى الوطني والإقليمي، وتشمل:
- استكمال التحول الرقمي الشامل للمنظومة العدلية والرقابية، بما يشمل الخدمات، والأرشفة،
والتواصل مع الجمهور.
- تحقيق اللامركزية الإدارية والمالية في إدارة المؤسسات العدلية والرقابية، بما يتيح للمحاكم
والهيئات الرقابية أداء دورها بكفاءة في مختلف المحافظات.
- بناء نظام عدالة ورقابة متوازن يجمع بين الاستقلالية الكاملة والمساءلة الفعّالة.
- إرساء شراكات استراتيجية مع مكونات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، والأكاديميين، لدعم جهود
إصلاح العدالة والرقابة وتعزيز الرقابة المجتمعية.
- تحقيق التكامل الإقليمي والدولي من خلال الانخراط الفعّال في شبكات التعاون القضائي
والرقابي العربية والدولية.
3-4 . التحديات المعوّقة للرؤية المقترحة
تواجه الرؤية المقترحة لجعل المنظومة العدلية والرقابية أكثر فاعلية جملة من التحديات
المركبة، يأتي في مقدمتها الوضع السياسي والأمني. فقد أدى استمرار الصراع المسلح وانقسام مؤسسات الدولة
إلى غياب سلطة مركزية فاعلة قادرة على فرض سيادة القانون. كما أن التدخلات الخارجية المتعددة في الشأن
اليمني عمّقت من تعقيدات المشهد، وزادت من صعوبة تحقيق توافق وطني حول الإصلاحات المطلوبة. إلى جانب
ذلك، لا تزال بعض المناطق تخضع لسيطرة جماعات مسلحة، ما يجعل فرض القانون وتنفيذ أي إصلاحات تحديًا بالغ
الصعوبة.
أما على الصعيد الاقتصادي والمالي، فإن الانهيار الاقتصادي وشح الموارد يمثلان عائقين
كبيرين أمام أي مشروع إصلاحي. فقد أدى توقف صرف مرتبات موظفي القطاع العام، بمن فيهم القضاة والعاملون
في المنظومة العدلية، إلى تدهور الأوضاع المهنية والمعيشية داخل هذا القطاع. كما ساهم ارتفاع معدلات
التضخم وانهيار قيمة العملة المحلية، إضافة إلى اعتماد اليمن شبه الكامل على المساعدات الخارجية غير
المستدامة، في تفاقم الأزمة. إلى ذلك، تعاني البلاد من ضعف شديد في البنية التحتية الأساسية، مثل
الكهرباء والاتصالات والطرق، وكلها عناصر حيوية لأي إصلاح حقيقي.
في الجانب المؤسسي والإداري، تواجه الدولة تفككًا في بنيتها المؤسسية نتيجة الصراع
المستمر، وتداخلًا في الصلاحيات وغيابًا للتنسيق بين الجهات المعنية. كما أن ضعف الكوادر الإدارية
والقيادية، وغياب أنظمة معلومات فعالة تساعد على التخطيط والمتابعة، فضلاً عن انتشار الفساد في مفاصل
الدولة، كلها تمثل معوّقات بنيوية لإصلاح المنظومة العدلية والرقابية.
أما التحديات الاجتماعية والثقافية، فتتجلى في هيمنة التأثيرات القبلية والعشائرية على
عمل المنظومة العدلية، وانتشار ثقافة الثأر والعدالة الخاصة، وضعف الوعي المجتمعي بأهمية سيادة القانون.
وتُعدّ الثقافة البيروقراطية الهرمية والانقسامات المناطقية والمذهبية من العوامل التي تعرقل تطبيق
القانون على نحو متساوٍ.
وتُضاف إلى ما سبق تحديات تكنولوجية ملحوظة، أبرزها ضعف البنية التحتية في مجالات الاتصال
والكهرباء، ومحدودية المهارات التقنية للعاملين في هذا القطاع، وارتفاع تكلفة التحول الرقمي، إلى جانب
المخاوف المتعلقة بأمن البيانات وصعوبة الوصول إلى المناطق الريفية والنائية.
جدول «4»
ملخص التحديات التي تواجه تطبيق الرؤية المقترحة لزيادة فاعلية المنظومة العدلية والرقابية في اليمن وسبل التغلب عليها
السياسية والأمنية
|
الصراع المسلح، انقسام المؤسسات، التدخلات الخارجية
|
إصلاحات جزئية في المناطق المستقرة، تحييد المنظومة العدلية عن
الصراعات
|
الاقتصادية والمالية
|
شح الموارد، توقف المرتبات، انهيار العملة
|
تحديد الأولويات، الاستفادة من الدعم الدولي، تطوير آليات تمويل
ذاتية
|
المؤسسية والإدارية
|
تفكك البناء المؤسسي، تداخل الصلاحيات، الفساد
|
نهج تدريجي، تحديد الأدوار، تعزيز الرقابة والمساءلة
|
الاجتماعية والثقافية
|
التأثيرات القبلية، ثقافة الثأر، ضعف الوعي
|
إشراك القيادات المجتمعية، القيام بحملات توعية، برامج تعليمية
وتثقيفية
|
التكنولوجية
|
ضعف البنية التحتية، محدودية المهارات، ارتفاع التكلفة
|
نهج متدرج، برامج تدريبية، حلول منخفضة التكلفة
|
4-4. متطلبات نجاح الخطة المقترحة
حتى تنجح عملية إصلاح المنظومة العدلية والرقابية في اليمن، لا بد من توافر مجموعة من
المتطلبات الأساسية على المستويات السياسية والاقتصادية والمؤسسية والتكنولوجية والتشريعية.
فعلى الصعيد السياسي، تبرز الحاجة إلى إرادة سياسية واضحة تلتزم بدعم استقلالية القضاء
والأجهزة الرقابية، إضافة إلى توفير بيئة مستقرة سياسيًا وأمنيًا تتيح تنفيذ الإصلاحات بفعالية. كما أن
تحقيق توافق وطني واسع حول أولوية إصلاح العدالة والرقابة يعد شرطًا جوهريًا، إلى جانب ضرورة احترام
المعايير الدولية ذات الصلة باستقلال القضاء وضمانات حقوق الإنسان.
أما من الناحية المالية والاقتصادية، فإن توفير موازنة كافية ومستمرة يعد أمرًا لا غنى
عنه لتطوير هذه المنظومة. ويجب أن تحظى المؤسسات العدلية والرقابية باستقلال مالي وإداري، مع تأمين
الموارد اللازمة لتحسين بنيتها التحتية، بما يشمل المحاكم ومرافق الرقابة. كما يمكن الاستفادة من الدعم
الدولي لتغطية نفقات برامج الإصلاح وتوفير التسهيلات الفنية والمادية المطلوبة.
وفيما يتعلق بالمتطلبات البشرية والمؤسسية، فإن تطوير قدرات العاملين في المجالين القضائي
والرقابي يمثل أولوية ملحّة، إلى جانب الحاجة إلى تغيير الثقافة التنظيمية السائدة باتجاه تعزيز قيم
الشفافية والمساءلة. ويتطلب الأمر أيضًا وجود قيادات مؤسسية قادرة على إدارة التحول وقيادة جهود الإصلاح
بفعالية، مع الحرص على إشراك مختلف أصحاب المصلحة، من مجتمع مدني وجهات فاعلة، في مراحل التخطيط
والتنفيذ.
وفي الجانب التكنولوجي، لا بد من توفير بنية تحتية تكنولوجية متينة تدعم التحول الرقمي في
عمل المؤسسات العدلية والرقابية، وتنمية المهارات الرقمية للعاملين، وضمان أمن المعلومات وحماية
البيانات. كما أن تطوير أنظمة معلوماتية مترابطة تشمل مختلف مكونات المنظومة، يعد من الشروط الأساسية
لتحسين الكفاءة والربط المؤسسي.
أما المتطلبات القانونية والتشريعية، فتتمثل في ضرورة تطوير الإطار الدستوري عبر إدخال
تعديلات تضمن استقلالية القضاء وتواكب المعايير الدولية. ويتعين كذلك تحديث التشريعات المنظمة لعمل
المنظومة العدلية والرقابية، وضمان انسجام القوانين المختلفة وتكاملها دون تعارض. كما أن المواءمة مع
الاتفاقيات والمعايير الدولية في هذا المجال تظل ضرورة لا يمكن تجاهلها لضمان شرعية الإصلاح واستدامته.
جدول «5»
متطلبات إصلاح المنظومة العدلية في اليمن والإجراءات المقترحة والإطار الزمني لتنفيذها
السياسية
|
تعديلات دستورية وقانونية، تحقيق توافق وطني
|
السلطات العليا، مجلس النواب
|
المدى القصير
|
المالية
|
زيادة موازنة القضاء، توفير استقلال مالي
|
وزارة المالية، مجلس النواب
|
المدى القصير والمتوسط
|
البشرية
|
برامج تدريب وتأهيل، تحسين ظروف العمل
|
وزارة العدل، مجلس القضاء
|
مستمر
|
التكنولوجية
|
بناء بنية تحتية رقمية، تطوير أنظمة معلوماتية
|
وزارة الاتصالات، وزارة العدل
|
المدى المتوسط والطويل
|
القانونية
|
تعديل التشريعات، إصدار لوائح تنفيذية
|
مجلس النواب، وزارة العدل
|
المدى القصير والمتوسط
|
5. النتائج والتوصيات
1-5 . النتائج
خلصت هذه الدراسة، من خلال تحليل واقع المنظومة العدلية والرقابية في اليمن واستعراض
التجارب الدولية المقارنة، إلى عدد من النتائج الرئيسة التي تُشكل قاعدة معرفية لإطلاق إصلاحات شاملة في
هذا القطاع الحيوي، ويمكن تلخيص أبرزها على النحو الآتي:
- تعاني المنظومة العدلية والرقابية في اليمن من اختلالات عميقة تشمل مختلف الجوانب، سواء على
مستوى الهياكل التنظيمية، أو الوحدات المؤسسية، أو الكوادر البشرية، أو الإطار التشريعي، إضافة إلى ضعف
البنية التحتية، وقصور في نظم الاتصال الفعّال، وضعف في الثقافة المؤسسية، وانعدام المعايير الإجرائية
الموحدة.
- أثّر الصراع السياسي والعسكري بصورة مباشرة وسلبية على فاعلية هذه المنظومة، إذ أدى إلى
تشرذم المؤسسات، وتوقف بعضها عن العمل، وتقويض استقلال القضاء، مما فاقم من أزمات العدالة والمساءلة في
البلاد.
- تبرز التجارب الدولية المقارنة كنماذج مرجعية يمكن الاستفادة منها، سواء من حيث الأدوات أو
المسارات الإصلاحية، مع ضرورة مواءمة تلك التجارب مع خصوصيات السياق اليمني من الناحية السياسية والاجتماعية
والقانونية.
- يتطلب تطوير المنظومة العدلية والرقابية في اليمن تبني رؤية متكاملة، تغطي كافة العناصر
المؤسسية والبشرية والتشريعية، بما يشمل الهياكل التنظيمية، والموارد البشرية، والتشريعات، والسياسات
العامة، وأنماط العمل المؤسسي.
- يعتمد نجاح الرؤية الإصلاحية على توفر عدد من الشروط الحاسمة، أهمها الإرادة السياسية،
وتوفير الموارد المالية الكافية، وتنمية القدرات المؤسسية والبشرية، بالإضافة إلى التمكين التكنولوجي
والتدريجي للتحول الرقمي.
- يفرض الواقع السياسي والأمني والاقتصادي تبني نهج تدريجي ومرحلي في تنفيذ الإصلاحات، يبدأ
بالأولويات الملحّة، ويُبنى بشكل تراكمي يراعي ديناميكيات المرحلة الانتقالية، ويعزز فرص التوافق الوطني
والمجتمعي حول إصلاح العدالة والرقابة.
2-5 . التوصيات
في ضوء النتائج التي توصل إليها البحث، وبناءً على تحليل الواقع المحلي ومقارنتها
بالتجارب الدولية الرائدة، يمكن اقتراح حزمة من التوصيات العملية التي من شأنها المساهمة في بناء منظومة
عدلية ورقابية فعّالة ومتكاملة في اليمن، موزعة على المستويات التالية:
- على المستوى التشريعي إجراء تعديلات دستورية وقانونية تكرّس استقلال السلطة القضائية
والأجهزة الرقابية، وتفصلها فعليًا عن التأثيرات السياسية والتنفيذية، وتحديث قوانين الإجراءات المدنية
والجنائية، بما يضمن تسريع عملية التقاضي، وتبسيط الإجراءات، وتحقيق عدالة ناجزة، بالإضافة إلى سنّ تشريعات
خاصة بالوسائل البديلة لحل النزاعات «الوساطة، التحكيم، التسوية»، وتوسيع نطاق العمل بها في القضايا المدنية
والتجارية.
- على مستوى الهياكل التنظيمية والوحدات الهيكلية إعادة هيكلة المحاكم والنيابات العامة بما
يضمن التوزيع العادل لحجم العمل، وتحقيق الكفاءة المؤسسية، وتعزيز آليات التنسيق والتكامل بين مكونات
المنظومة العدلية والرقابية لضمان تبادل البيانات وسرعة اتخاذ القرار، وتطوير نظم الإدارة المؤسسية القائمة،
عبر إدخال أدوات التخطيط والرقابة الحديثة للحد من البيروقراطية وتحسين الأداء، بالإضافة إلى إعادة توزيع
الوحدات القضائية والرقابية جغرافيًا لضمان وصول العدالة إلى المناطق الريفية والنائية.
- على مستوى الكوادر الوظيفية: تطوير آليات اختيار القضاة وأعضاء النيابة على أسس موضوعية
تستند إلى الكفاءة، والنزاهة، والخبرة القانونية. وتحسين البيئة المهنية للعاملين في القطاع العدلي
والرقابي، من خلال مراجعة الرواتب، وضمان الحماية الاجتماعية، والامتيازات المهنية. وتنفيذ برامج تدريبية
متقدمة للقضاة، والمفتشين، والكوادر المساندة، تُراعي المستجدات القانونية والتكنولوجية. بالإضافة إلى ضرورة
تعزيز التنوع والتمثيل داخل المنظومة القضائية، بما في ذلك تمكين المرأة، وتوفير فرص متساوية للفئات
المهمّشة.
- على مستوى الاتصال المؤسسي ونُظم العمل: البدء في تطبيق التحول الرقمي التدريجي للخدمات
القضائية والرقابية، من خلال بناء بنية تحتية تقنية مستدامة. وإنشاء قواعد بيانات وطنية موحدة تشمل القضايا،
والأحكام، والتشريعات، بما يسهم في تحسين الشفافية وسرعة الوصول إلى المعلومات. وتطوير تطبيقات إلكترونية
مخصصة للمواطنين، تسهّل متابعة القضايا، وتقديم الشكاوى، والحصول على الخدمات. هذا بالإضافة إلى ضرورة تعزيز
قنوات الاتصال المؤسسي بين مختلف وحدات السلطة القضائية والأجهزة الرقابية، بما يضمن التنسيق الفعّال.
- على مستوى الثقافة التنظيمية: ترسيخ ثقافة النزاهة، الشفافية، والمساءلة كقيم مؤسسية داخل
أجهزة العدالة والرقابة. وتعزيز ثقافة خدمة المواطن والمتقاضي، من خلال تحسين بيئة العمل، وتطوير مهارات
التواصل. وتشجيع الابتكار المؤسسي والتطوير المستمر، وتحفيز الكوادر على اقتراح الحلول وتحمل المسؤوليات.
بالإضافة إلى ضرورة غرس قيم استقلال القضاء واحترام العدالة كمبدأ حاكم لسلوك العاملين في المؤسسات العدلية.
- على مستوى التوعية المجتمعية: تعزيز الوعي القانوني لدى المواطنين بحقوقهم وواجباتهم، عبر
برامج إعلامية وتعليمية موجهة. وتمكين منظمات المجتمع المدني من أداء دور رقابي وتوعوي في دعم استقلالية
العدالة والرقابة. وتحفيز المشاركة المجتمعية في تقييم أداء المؤسسات القضائية، وتقديم المقترحات، ومراقبة
جودة الخدمة.
- على مستوى التعاون الدولي: توسيع مجالات التعاون مع المنظمات الدولية المعنية بسيادة
القانون والحوكمة، للحصول على الدعم الفني والمعرفي. والاستفادة من برامج التدريب وبناء القدرات الدولية،
بما يعزز كفاءة الكوادر المؤسسية. هذا بالإضافة إلى تبادل الخبرات والممارسات الفضلى مع الدول التي نجحت في
إصلاح منظوماتها العدلية والرقابية، خاصة في البيئات الانتقالية أو ما بعد النزاع.
3-5 . آفاق البحث المستقبلية
يفتح هذا البحث المجال أمام دراسات متعمقة في مجالات متعددة تتقاطع مع مسارات إصلاح
المنظومة العدلية والرقابية في اليمن، وتستجيب للتطورات المتسارعة التي يشهدها هذا القطاع محليًا
ودوليًا. ومن أبرز المجالات البحثية المقترحة:
- إجراء دراسات تفصيلية لإعادة هيكلة كل مكون من مكونات المنظومة العدلية والرقابية «المحاكم،
النيابات، الأجهزة الرقابية، مجلس القضاء الأعلى... إلخ»، من منظور مؤسسي وعملي.
- تحليل متطلبات التحول الرقمي في القطاع العدلي والرقابي في اليمن، وتقييم البنية التحتية،
والجاهزية المؤسسية، ومستوى التقبل المجتمعي والتشريعي للتحول الرقمي.
- تقييم أثر الصراع السياسي والعسكري على أداء المنظومة العدلية والرقابية، واستشراف مسارات
إعادة البناء المؤسسي بعد انتهاء الصراع، ضمن إطار العدالة الانتقالية وتعزيز سيادة القانون.
- دراسة آليات تعزيز استقلالية القضاء في السياق اليمني، في ظل ما يشهده من تحديات بنيوية
تتعلق بالتسييس، والولاءات، وضعف الفصل بين السلطات.
- تطوير نموذج وطني للعدالة الانتقالية في اليمن، يراعي خصوصية المرحلة القادمة، ويوازن بين
العدالة، والمصالحة، وعدم الإفلات من العقاب، مع استلهام النماذج الدولية ذات الصلة.
4-5 . خاتمة
إن تطوير المنظومة العدلية والرقابية في اليمن يُمثل ركيزة جوهرية لبناء دولة القانون
والمؤسسات، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وصيانة الحقوق والحريات، وتهيئة البيئة الملائمة للتنمية
المستدامة. ورغم ما يحيط بعملية الإصلاح من تعقيدات ناتجة عن واقع سياسي وأمني هش، وانقسامات مؤسسية
وهيكلية، إلا أن التجارب المقارنة تؤكد أن الإصلاح يظل ممكنًا، متى ما توفرت الإرادة السياسية الجادة،
والرؤية الاستراتيجية الواضحة، والبيئة التشريعية الداعمة.
توصي الدراسة بأهمية عقد مؤتمرات وندوات وطنية متخصصة في المعهد العالي للقضاء وكليات
الشريعة والقانون، تُعنى بمتابعة المستجدات العالمية في مجال العدالة، وتُسهم في بناء قدرات القضاة
والعاملين في المؤسسات العدلية والرقابية، بما يراعي خصوصية السياق اليمني، ويؤسس لنهج مؤسسي متطور،
قادر على الاستجابة لمتطلبات المرحلة والتحولات المستقبلية.