القضاء في اليمن
التجارب العالمية وما يستفاد منها
يتناول البحث التعريف بالقضاء والتنمية والعلاقة بينهما، وتأثير كل منهما على الآخر، كذلك يبرز دور القضاء في دعم التنمية من خلال الآليات التي يتخذها والتي تساهم في التنمية واستمرارها، ويمثل ذلك متطلبًا للإصلاح القضائي.
كما تناول البحث التجارب العالمية للقضاء، من حيث البناء التنظيمي والثقافة التنظيمية باعتبارهما ركيزتا النّظام القضائي، حيث تم تناول تجارب عينة من الدول مراعيًا تنوع الأنظمة.
كذلك تم تناول القضاء اليمني بتشخيص الواقع وإشكالاته تم تناول الإشكالات والتحديات والحلول المناسبة لها. حيث تم استعراض الوضع الحالي من خلال الهيكل التنظيمي والثقافة التنظيمية والتي تمثل آليات العمل القضائي. وذلك لكي تتضح معالم التجربة اليمنية بمقارنتها بالتجارب الأخرى، ومن ثم كيفية مواجهة المعوقات والتحديات بالحلول المناسبة.
كلمات مفتاحية: القضاء، العدالة، الإصلاحات القضائية، التشريعات، اليمن.
Abstract
The research explores the relationship between the judiciary and development, highlighting their mutual influence and the judiciary’s role in sustaining development through effective mechanisms, making judicial reform essential.
It examines global judicial systems, focusing on organizational structure and culture as core pillars, analyzing diverse country experiences.
The study also assesses the Yemeni judiciary, diagnosing its current state, challenges, and potential solutions. By comparing its structure and culture with other judicial models, it identifies obstacles and proposes strategies for overcoming them.
Keywords: Judiciary, Justice, Judicial Reforms, Legislation, Yemen.
شهد القضاء في العصر الحديث تطورات كبيرة نتيجة للتحولات التكنولوجية والاجتماعية والاقتصادية، مما جعل تطوير القضاء ضرورة ملحة لضمان العدالة والتنمية المستدامة. يواجه القضاء اليمني تحديات كبيرة ترتبط بضرورة تحديث آلياته ومواكبة التجارب العالمية الناجحة، مع التركيز على إدخال التكنولوجيا لتحسين فعالية القضاء وتقليل الفجوات الإجرائية. كما يتناول هذا البحث استعراضًا شاملً لدور القضاء في دعم التنمية، مع التركيز على التجارب العالمية الناجحة في تطوير الأنظمة القضائية، وكيفية الاستفادة منها لتحسين النّظام القضائي في اليمن. ويقسم البحث إلى ثلاثة محاور رئيسية:
تتمثل الإشكالية الرئيسية للبحث في الإجابة على السؤال التالي: «إلى أي مدى يمكن للقضاء اليمني الاستفادة من التجارب القضائية العالمية لتحسين أدائه وتحقيق العدالة والتنمية المستدامة؟». ويتفرع عن هذا السؤال الرئيسي الأسئلة التالية:
يفترض البحث أن القضاء اليمني يمتلك القدرة على الاستفادة من التجارب العالمية الناجحة، شريطة وجود إرادة سياسية وموارد كافية لتطبيق الإصلاحات المطلوبة.
يعتمد هذا البحث على المنهج الوصفي والتحليلي مع استخدام المقارنة كأداة رئيسية لفهم الاختلافات والتشابهات بين النّظام القضائي اليمني والتجارب الدولية التي تم اختيارها بناءً على معايير تشمل:
كما تم تحليل البيانات من مصادر متعددة، بما في ذلك الدراسات الأكاديمية، التقارير الدولية، والقوانين المحلية، مع التركيز على استنباط الحلول العملية.
القضاء هو الجهة التي تتولى الفصل في المنازعات وتطبيق القانون، مما يضمن حماية الحقوق وتحقيق العدالة. في العصر الحديث، أصبح القضاء أداة حيوية لدعم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي من خلال توفير بيئة قانونية موثوقة تسهم في تحقيق التنمية المستدامة.
التنمية هي عملية منظمة تهدف إلى تحسين جودة الحياة في المجتمع من خلال تعزيز التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. تشمل التنمية تقليل الفقر، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز سيادة القانون، كما أنها تتطلب بنية قانونية تدعم الاستثمارات وتحفز الابتكار.
القضاء ليس مجرد وسيلة لحل النزاعات، بل هو دعامة أساسية لتحقيق العدالة وترسيخ الشفافية في المجتمع. تتجلى علاقته بالتنمية في تأثيره المباشر على استقرار البيئة القانونية، مما يسهم في خلق مناخ مشجع للاستثمار والتنمية المستدامة. وإذا كان لكل من القضاء والتنمية تأثير مباشر على الآخر فإنه يمكن تلخيصها كالتالي:
القضاء المستقل والفعال يشكل ركيزة أساسية لتحقيق التنمية، حيث يعزز الاستقرار القانوني ويضمن تطبيق القوانين بعدالة وشفافية، مما يخلق بيئة مشجعة للاستثمار ويحفز النمو الاقتصادي والابتكار، فجذب المستثمرين مثلً يستلزم الحفاظ على استقلالية القضاء وتوفير ضمانات الاستقلال، وتحسين البنية التحتية للمحاكم والاستقرار القانوني، كذلك التسريع في حل المنازعات التجارية، والتي تتطلب إصلاح الإجراءات القضائية وتحديث القوانين، وتبسيط إجراءات التقاضي.
وفي المقابل، يسهم النمو الاقتصادي في دعم النّظام القضائي من خلال توفير الموارد اللازمة لتطوير بنيته التحتية، وتعزيز كفاءة القضاة والعاملين عبر برامج التدريب والتأهيل المستمر، مما يؤدي إلى نظام قضائي أكثر كفاءة واستجابة لمتطلبات التنمية المستدامة.
من أهم آليات العدالة الاجتماعية القضاء العادل الذي يسهم في تحقيق التنمية الاجتماعية من خلال حماية حقوق الأفراد وضمان المساواة وحماية حقوق الإنسان والذي يؤدي إلى الاستقرار الاجتماعي والحد من الفقر وذلك بتوزيع الموارد بشكل عادل وتسهيل وصول الفئات الضعيفة إلى العدالة، وفي النهاية يمكن القول بأن القضاء العادل يضمن توزيع الموارد بشكل منصف، مما يقلل الفجوات الاجتماعية والاقتصادية، ويدعم التنمية الشاملة.
يؤدي القضاء دورًا حاسمًا في مكافحة الفساد وضمان الشفافية، من خلال محاكمة المتورطين وعقابهم، وهذا يؤدي إلى تعزيز النزاهة الإدارية ودعم بيئة الأعمال.
إذا كان دور القضاء يتمثل في حل النزاعات بشكل عادل وفعال، فالقضاء المستقل يساهم في تحقيق الاستقرار السياسي من خلال التمسك بالدستور والفصل بين السلطات وضمان حقوق الإنسان، وينعكس على بيئة التنمية. والتنمية السياسية تقوي المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان وتساهم في فعالية واستقلال القضاء.
القضاء يلعب دورًا محوريًا في إدارة الأزمات القانونية والاجتماعية، حيث يساهم في:
يُعدّ استخدام التكنولوجيا أحد أهم الأدوات لتحسين فعالية القضاء وتسريع الإجراءات، كما يُشير تقرير مكتب الأمم المتحدة إلى أن التكنولوجيا الرقمية تعزز الشفافية وتقلل التكاليف[2]، ويشمل ذلك:
القضاء يساهم في تنفيذ الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية من خلال:
العلاقة بين القضاء والتنمية تعد أحد أسس بناء مجتمع مستقر ومزدهر. ولتحقيق ذلك، يجب العمل على إصلاح النّظام القضائي بما يضمن نزاهته وفعاليته، مع التركيز على استخدام التكنولوجيا وتحسين البنية التحتية القضائية لدعم الأهداف التنموية، وتعزيز القوانين التي تسهم في استقرار النّظام القانوني وجذب الاستثمارات. كما ينبغي تعزيز دور القضاء في الأزمات وتوسيع نطاق الإصلاحات الاجتماعية لتحقيق العدالة والتنمية الشاملة.
شهد القضاء في العصر الحديث تحولات وتطورات وتغيرات اجتماعية وتكنولوجية وسياسية حتمت على القضاء التفاعل معها بما يؤدي إلى تحقيق العدالة بسرعة وشفافية وفعالية.
تركّز التجارب العالمية في القضاء على عنصرين أساسيين، هما: البناء التنظيمي والثقافة التنظيمية، وهما مكوّنان مهمان في النظام القضائي، حيث تتداخل العناصر المكوّنة لهما وتتفاعل مع بعضها البعض، رغم اختلافهما من حيث المفهوم والوظيفة. فإذا كان البناء التنظيمي يضع الأسس التي يسير عليها القضاء، والمتمثلة في الهيكل الرسمي الذي ينظم توزيع السلطات والمسؤوليات داخل النظام القضائي، فإن الثقافة التنظيمية تؤثر على الفعالية من خلال تعزيز النزاهة، والاستقلالية، والحيادية، والالتزام الأخلاقي في العمل، وترسيخ مبدأ التعاون.
كما أن نجاح البناء التنظيمي يتطلب وجود ثقافة تنظيمية تدعم تطبيق القوانين بنزاهة، إذ إن الهيكل وحده لا يضمن تحقيق العدالة ما لم يتم الالتزام بالمبادئ. وباختصار، يمكن القول إن البناء التنظيمي يشكّل الإطار القانوني والإداري الذي ينظم عملية التقاضي، بينما تشكّل الثقافة التنظيمية الأساس القيمي والأخلاقي الذي يؤثر على كيفية تطبيق هذا الإطار، وبالتالي، فإن تحقيق العدالة يتطلب التوازن بين الاثنين.
يطلق البناء التنظيمي على الهيكل الرسمي الذي يشكل النّظام القضائي ويحدد كيفية توزيع الأدوار والمسؤوليات داخل النّظام القضائي، ويهتمّ بالترتيب الإداري والتنظيمي للسلطة القضائية، إذ إنه الإطار الذي يحدد كيفية تنظيم أعمال المحاكم والهيئات القضائية وتوزيع المهام والصلاحيات، ويمكن تقسيم البناء التنظيمي إلى - 1 هيكل تنظيمي تندرج تحته النيابة العامة والمحاكم ومجلس القضاء الأعلى، كما يتطلب وجود محاكم متخصصة وهيئات رقابية مستقلة تضمن سير العدالة بشكل سلس ومنظم، ثم - 2 هيكل إداري وهو الإطار التنظيمي الذي يوزع المهام بين أقسام الهيكل المختلفة، وأخيرًا - 3 الكادر الوظيفي الذي يقوم بالمهام المنوطة بهذا البناء كاملً، سواء التخصصية أو الإدارية، وفيما يلي سنتناول أمثلة دولية مختلفة لشكل البناء التنظيمي، مع استعراض أبرز مميزاته وتحدياته:
جدول «1»
مميزات وتحديات ومخرجات البناء التنظيمي في أنظمة قضائية دولية مختلفة
الدولة |
مميزات البناء التنظيمي |
التحديات |
المخرجات المتوقعة |
ألمانيا |
قضاء إداري متخصص يعزز الكفاءة والعدالة في النزاعات الحكومية والإدارية |
ضرورة التوسع في المحاكم الرقمية |
تسريع البت في القضايا وتقليل العبء على القضاء العادي |
سنغافورة |
محاكم إلكترونية متكاملة تُسهِّل التقاضي وتُقلِّل التكاليف |
الحفاظ على التوازن بين الرقمنة والخصوصية |
تحقيق الشفافية وتعزيز الثقة في النّظام القضائي |
بريطانيا |
نظام المحلفين، محاكم متخصصة |
تحسين آليات المراجعة القضائية |
تحقيق نزاهة أكبر في القضايا الجنائية |
الولايات المتحدة |
محاكم متعددة المستويات وإدارة إلكترونية للقضايا |
تحديات في ضمان الوصول المتساوي للعدالة |
تقليل التأخير وزيادة كفاءة القضاء |
الثقافة التنظيمية تُبرز القيم والمبادئ الأساسية التي تحكم النّظام القضائي. النزاهة والشفافية والاستقلالية من أبرز هذه القيم، وهي الأساس لتحقيق العدالة المستدامة.
جدول «2»
الثقافة التنظيمية وأثرها على الأداء القضائي
في دول مختلفة
الدولة |
الميزات الثقافية البارزة |
أثرها على الأداء القضائي |
جنوب أفريقيا |
التركيز على حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية |
تحسين التوازن الاجتماعي وتقليل التمييز القضائي |
سنغافورة |
النزاهة والابتكار من خلال تدريب القضاة بانتظام على التقنيات الجديدة |
زيادة الكفاءة التشغيلية وتقليل التأخير في البت بالقضايا |
فرنسا |
تقليل عدد الاستئنافات، استخدام الذكاء الاصطناعي |
تسريع التقاضي وتحسين دقة الأحكام |
البناء التنظيمي والثقافة التنظيمية يشكلان قاعدة متكاملة لأي نظام قضائي ناجح. الهيكل الإداري القوي يدعم القيم الأساسية للنظام القضائي مثل النزاهة والشفافية، بينما تضمن الثقافة التنظيمية التزام القضاة والموظفين بهذه القيم، كما توضح هذه الأمثلة:
الدولة |
أهم مظاهر العلاقة بين التنظيم والثقافة |
الأثر على النّظام القضائي |
ألمانيا |
توازن بين هيكل قوي وثقافة استقلالية تضمن العدالة الفعالة |
تحسين جودة الأحكام وزيادة ثقة الجمهور في القضاء |
كندا |
دمج الاستقلالية مع تدريب مستمر للقضاة |
تعزيز الكفاءة وتقليل الأخطاء القضائية |
مع تطور الأنظمة القضائية العالمية، ظهر عدد من العوامل التي تؤثر على كفاءة القضاء وتحقيق العدالة بطرق جديدة. من أبرز هذه العوامل العدالة البديلة، التكنولوجيا القضائية، والتعاون الدولي. فبينما يُعنى البناء التنظيمي والثقافة التنظيمية بوضع الأسس والضوابط الداخلية، تساهم هذه العوامل الحديثة في تعزيز سرعة الإجراءات، تحسين الشفافية، وتقليل الضغط على المحاكم التقليدية، ولذلك فإن دراسة هذه الجوانب تعتبر ضرورية لفهم كيفية تطوير الأنظمة القضائية في الدول المختلفة والاستفادة منها في تحسين النّظام القضائي، وهو ما سنتناوله كالتالي:
العدالة البديلة أصبحت عنصرًا حيويًا في الأنظمة القضائية الحديثة. أدوات مثل التحكيم والوساطة توفر بدائل سريعة وفعالة لحل النزاعات، مما يساعد في تقليل الأعباء على المحاكم التقليدية.
تخفيف الضغط على المحاكم التقليدية، توفير الوقت والمال للأطراف، وتعزيز الثقة في النّظام القضائي. كما أن هذه الأدوات تعزز من قدرة النّظام القضائي على الاستجابة للاحتياجات المتزايدة.
جدول «4»
نماذج العدالة البديلة للنظام القضائي، أثرها
وتحدياتها في دول مختلفة
الدولة |
نماذج العدالة البديلة |
الأثر |
التحديات |
الهند |
محاكم التحكيم التجاري لحل النزاعات الاقتصادية |
تخفيف الضغط على المحاكم التقليدية |
ضعف الوعي القانوني لدى الأطراف المستفيدة |
سنغافورة |
نظام شامل للوساطة التجارية خاصة في النزاعات الدولية |
تعزيز الثقة في النّظام القضائي |
صعوبة تنسيق الوساطة بين الأطراف الدولية |
التكنولوجيا تُعتبر من أهم العوامل التي ساعدت في تحديث الأنظمة القضائية. اعتماد الأنظمة القضائية على التكنولوجيا ليس فقط لتسريع العمليات، بل أيضًا لتعزيز الشفافية والمساءلة.
تحسين الشفافية، تسريع الإجراءات، وزيادة سهولة الوصول إلى العدالة، خاصة للفئات المحرومة. التكنولوجيا أيضًا تُسهم في تعزيز التواصل بين الأطراف وإدارة الملفات القضائية بشكل أفضل.
جدول «5»
استخدام التكنولوجيا في النّظام القضائي،
أثرها وتحدياتها في دول مختلفة
الدولة |
أهم الابتكارات التكنولوجية |
الأثر |
التحديات |
ألمانيا وسنغافورة |
المحاكم الرقمية والذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات القضائية |
تقليل الأخطاء البشرية وزيادة الكفاءة |
ضرورة تدريب القضاة على التقنيات الجديدة |
الولايات المتحدة |
نظم إدارة القضايا واستخدام الفيديو للجلسات عن بُعد |
توفير الوقت وتقليل التكاليف |
الحفاظ على خصوصية البيانات القضائية |
التعاون الدولي يُعد عنصرًا هامًا لتطوير الأنظمة القضائية. يتمثل ذلك في تبادل الخبرات وتنسيق الجهود بين الأنظمة القضائية المختلفة لضمان تطبيق معايير موحدة وتحقيق العدالة بشكل شامل.
تحسين الكفاءة القضائية، وتطوير الأنظمة القانونية بشكل مستدام، وتسهيل تسليم المجرمين بين الدول بطرق قانونية واضحة. ويُعزز من قدرة الأنظمة القضائية على التعامل مع القضايا العابرة للحدود.
جدول «6»
التعاون الدولي في النّظام القضائي، أثره
وتحدياته
الدولة |
نماذج التعاون الدولي |
الأثر |
التحديات |
الاتحاد الأوروبي |
تنسيق القوانين وبرامج تدريب القضاة المشتركة |
تحسين الكفاءة وضمان العدالة الموحدة |
تفاوت الأنظمة القانونية بين الدول |
الأمم المتحدة |
تبادل الخبرات وتنظيم المؤتمرات الدولية |
تعزيز العدالة العابرة للحدود |
صعوبة تحقيق توافق شامل بين الدول |
جدول «7»
ملخص الميزات الثقافية البارزة وأثرها على
الأداء القضائي للدول المختلفة
الأسلوب |
الميزات الثقافية البارزة |
أثرها على الأداء القضائي |
العدالة البديلة |
جميع الأنظمة الناجحة تعتمد على أدوات مثل التحكيم والوساطة لتخفيف العبء على المحاكم |
بعض الدول تجعلها اختيارية، بينما دول أخرى مثل سنغافورة تدمجها في النّظام الرسمي للقضاء |
التكنولوجيا القضائية |
استخدام المحاكم الرقمية وتقنيات الذكاء الاصطناعي لتعزيز الكفاءة |
مستوى اعتماد التكنولوجيا يختلف حسب الموارد والبنية التحتية |
استقلال القضاء |
شرط أساسي لتحقيق النزاهة والشفافية |
استقلال القضاء يتفاوت حسب القوانين المحلية والضغوط السياسية |
التعاون الدولي |
جميع الأنظمة الناجحة تعتمد على أدوات مثل التحكيم والوساطة لتخفيف العبء على المحاكم |
بعض الدول تجعلها اختيارية، بينما دول أخرى مثل سنغافورة تدمجها في النّظام الرسمي للقضاء |
في إطار تحويل البحث إلى واقع ملموس متصل بالسياق اليمني والمشاكل التي تواجه النّظام القضائي، يمكن إسقاط تجربتين دوليتين ناجحتين في تطوير النّظام القضائي وهي سنغافورة ورواندا، وقد تم اختيار الدولتين لعدة عوامل مشتركة مع التجربة اليمنية، أهمها:
تعتبر سنغافورة واحدة من أبرز الدول التي تبنّت التكنولوجيا في القطاع القضائي بشكل شامل، حيث أطلقت نظام المحاكم الإلكترونية الذي يغطي جميع جوانب العملية القضائية بدءًا من رفع القضايا إلكترونيًا وحتى إصدار الأحكام.
يشرح الجدول التالي أبرز مزايا النّظام القضائي في سنغافورة ورواندا، إمكانية تطبيق ذلك في اليمن، والتحديات التي تقابل ذلك.
جدول «8»
إمكانية تطبيق بعض عوامل نجاح تجارب دولية
ناجحة في الواقع اليمني
التجربة/البند |
التفاصيل |
إمكانيات التطبيق في اليمن |
التحديات |
التجربة السنغافورية |
نظام المحاكم الإلكترونية لتسريع الإجراءات القضائية. |
تطبيق نظام إلكتروني مبدئي في المحاكم التجارية والعامة الكبرى. الاستفادة من المساعدات التقنية الدولية. |
ضعف البنية التحتية الرقمية. الحاجة لاستثمارات كبيرة. |
التجربة الرواندية |
توحيد النّظام القضائي بعد النزاعات. تعزيز الثقة من خلال برامج تدريب وتوعية. |
تنفيذ برامج تدريب محلية بالشراكة مع الجامعات. تخصيص موارد لدعم الهيئات القضائية. |
نقص الكوادر المؤهلة. الحاجة إلى موارد مالية. |
توضح التجارب العالمية أن الجمع بين التنظيم الفعّال، العدالة البديلة، واستخدام التكنولوجيا يؤدي إلى تحسين الأنظمة القضائية وتعزيز الثقة العامة بها. تسلط هذه التجارب الضوء على أهمية المواءمة بين البناء التنظيمي والثقافة القضائية لضمان تحقيق العدالة. يمكن لليمن الاستفادة من هذه التجارب من خلال تطوير نظام قضائي يتماشى مع احتياجاته وموارده، مع التركيز على العدالة البديلة وتبني التكنولوجيا لتحقيق الكفاءة والشفافية.
القضاء في اليمن هو السلطة المسؤولة عن تطبيق القوانين، وحماية الحقوق، وتحقيق العدالة. وهو ركيزةٌ أساسيةٌ لضمان سيادة القانون والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي. ويتميّز النّظام القضائي في اليمن بتعدّد الهيئات القضائية التي تشمل مجلس القضاء الأعلى، المحاكم الابتدائية، المحاكم الاستئنافية، والمحكمة العليا، والمحاكم المتخصصة، ومع ذلك يعاني النّظام من تحديات تنظيمية وإدارية تؤثر بشكل كبير على فعاليته.
وتتضح ملامح القضاء في اليمن من خلال تناول النّظام القضائي، وهو الإطار القانوني والتنظيمي الذي يُنظِّم السلطة القضائية، ويحدد هيكل المحاكم واختصاصاتها، وكذلك الهيئات والأجهزة القضائية[4]، وسيتناول هذا المحور الموضوع في قسمين:
الأول: الوضع الحالي للقضاء.
الثاني: التحديات وسبل مواجهتها.
يتضمن هذا القسم الهيكل التنظيمي والثقافة التنظيمية.
الهيكل التنظيمي للقضاء يتمثل في الهيئات والأجهزة التي تتكوّن منها السلطة القضائية، والتي تُشرِف على تطبيق القانون والفصل في المنازعات وتحقيق العدالة وفقًا للقوانين المعمول بها، وتتكون من الآتي:
هو الجهاز المسؤول عن إدارة شؤون السلطة القضائية، ورسم السياسة العامة للقضاء، والإشراف على تنفيذها، والعمل على تحسين وتطوير الأداء القضائي، والحفاظ على الضمانات الممنوحة للقضاة من حيث التعيين، والترقية، والنقل، والتأديب، والعزل. كما يتولى دراسة مشروع موازنة السلطة القضائية وتقديمها رقمًا واحدًا لمجلس النواب، ويتألف من رئيس وثمانية أعضاء.[5]
نص قانون السلطة القضائية رقم «1» لسنة 1991 على المحاكم ودرجاتها وتشكيلاتها واختصاصاتها، وتتكون من:
هي الجهاز الإداري التنفيذي التي تعنى بالشؤون الإدارية والمالية والتقنية، وتوفير الموارد اللازمة للمحاكم والعمل على تحسين وتطوير وتحديث البنية التحتية، بما يضمن سير العملية القضائية بالتنسيق وإشراف مجلس القضاء.
وفي إعادة هيكلة حكومة البناء والتغيير أضيفت وزارة حقوق الإنسان إلى وزارة العدل وأصبح مسماها وزارة العدل وحقوق الإنسان، وبالتالي تولي المهام والاختصاصات المناطة بوزارة حقوق الإنسان.[10]
ووزارة العدل تعتبر همزة الوصل بين السلطة القضائية والسلطتين التنفيذية والتشريعية، ومؤخرًا صدر القرار الجمهوري رقم «29» لسنة 1446ه بتحديد أهداف ومهام والاختصاصات العامة والتقسيمات التنظيمية الرئيسية لوزارة العدل وحقوق الإنسان، في ثمان مواد تضمنت التسمية والأهداف والمهام والاختصاصات العامة للوزارة، والبناء التنظيمي.
والتقسيمات التنظيمية نصت عليها المادة «4» والتي أوجدت وحدات إدارية وألحقت تبعيتها بالوزير، منها ما تبعيته لمجلس القضاء الأعلى ومنها ما كان يتبع وزارات أو جهات أخرى، وقد شرحت هذه المادة أن البناء التنظيمي للوزارة يتكوّن من التقسيمات التنظيمية الرئيسية الآتية:
- الوزير: ويتبعه مباشرة الوحدات الإدارية الآتية:
كما يتبع الوزير أيضًا القطاعات الآتية:
ونصت المادة «6» على: «مع عدم الإخلال بأحكام هذا القرار يتشكل البناء التنظيمي للوزارة بلائحة تنظيمية تصدر بقرار جمهوري بعد موافقة مجلس الوزراء».[11]
وإذا كان القرار في المادة «7» قد نص على إلغاء جميع اللوائح والقرارات النفاذة أو أي من نصوصها أو أحكامها التي تتعارض مع أحكام هذا القرار، فإن المعضلة ستظهر في تعارض بعض النصوص في القوانين المنظمة للوحدات الإدارية وبالذات المعهد العالي للقضاء والذي نص قانونُه رقم «34» لسنة 2008م على كونه مؤسسة علمية قضائية تتمتع بشخصية اعتبارية ذات ذمة مالية مستقلة «ويتبع ماليًا وإداريًا» وزير العدل، ويخضع في تنفيذ السياسة العامة لإشراف مجلس القضاء الأعلى، وتكون للمعهد موازنة خاصة تدرج ضمن موازنة السلطة القضائية، وتبعية المعهد لوزير العدل في نص المادة باعتباره رئيس مجلس المعهد، وكذلك فإن هناك نصوص في قانون المعهد تتصادم مع القرار الجمهوري وبالذات المادة «14» التي حددت مهام واختصاصات عميد المعهد، وهذا يستلزم التوفيق بينهما.
المعهد مؤسسة علمية قضائية، تهتم بتكوين وتأهيل الملتحقين بالمعهد تأهيلً قضائيًا علميًا وعمليًا تخصصيًا، كما يتولى التأهيل المستمر للعاملين في السلطة القضائية، بما يؤدي إلى تطوير وتحديث القدرات والمهارات وتنميتها وتصويب الأخطاء وإضافة المعلومات عن المستجدات.
ويتكون المعهد من مجلس المعهد والمجلس العلمي وعميد المعهد ونائبه وقسم الدراسات التخصصية العليا وقسم التأهيل المستمر وإدارة البحوث والشؤون المالية والإدارية، ويشرف مجلس المعهد على تسيير المعهد ووضع السياسة العامة، ويرأس المجلس وزير العدل وينوبه النائب العام، ويتألف من رئيس هيئة التفتيش القضائي وعميد المعهد وعضوين من أعضاء المحكمة العليا وعضو من النيابة العامة وعميد كلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء وأحد أعضاء هيئة التدريس بالمعهد، وإذا كان المعهد يهدف إلى إعداد وتأهيل وتدريب الملتحقين بالمعهد تأهيلًا قضائيًا والتأهيل المستمر لأعضاء السلطة القضائية أثناء الخدمة، فإنه يهدف إلى تأهيل وتدريب أعوان القضاء وكذلك الإسهام في نشر الثقافة وتعميق الفهم الشرعي والقانوني وإجراء الدراسات والأبحاث العلمية.[12]
- أبرز ملامح الهيكل التنظيمي للقضاء اليمني
الثقافة التنظيمية للنظام القضائي هي: مجموعة من المبادئ والقيم والتقاليد التي تحكم عمل السلطة القضائية، وتوجه سلوك العاملين فيها، وتؤثر على كيفية التفاعل مع المجتمع.
فالثقافة التنظيمية تشكل قاعدة أساسية لضمان نزاهة وفعالية النّظام القضائي وتحقيق العدالة وتطوير الأداء، حيث تتولى الحفاظ على القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية، بما يلبي تطلعات المجتمع الحديث، فهي تبني الثقة وتحدد جودة الخدمات المقدمة.
وهذه القيم والسلوكيات والتقاليد القضائية، قد تضمنتها مدونة قواعد السلوك القضائي، التي يجب على القضاة الالتزام بها وتطبيقها في حياتهم الخاصة والعامة وممارستها في أعمالهم، والتي يترتب على مخالفتها المحاسبة.[13] وأهم مبادئ الثقافة التنظيمية هي:
قراءة وتشخيص واقع القضاء في اليمن، يُظهر مدى ما يعانيه من مشاكل ومعوقات، والتي تحولت إلى تحديات، تعددت وتزايدت، واستلزم ذلك إيجاد الحلول والمعالجات لموجهتها والتغلب عليها.
وقد بُذلت جهود متتالية لمواجهة ذلك والرفع من قدرات النّظام القضائي وتطويره، تمثلت في: خطة الإصلاح القضائي 1997م، وإستراتيجية تطوير وتحديث القضاء 2005، وكذلك الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة الحالية.[15]
جدول «9»
أدوار الهيئات القضائية اليمنية والتحديات
التي تواجهها
الهيئة القضائية |
الدور الأساسي |
التحديات الحالية |
مجلس القضاء الأعلى |
إدارة الشؤون القضائية وضمان استقلال القضاء |
تداخل السلطات التنفيذية وضعف الرقابة |
المحاكم الابتدائية |
الفصل في المنازعات المدنية والجنائية |
نقص الموارد البشرية والبنية التحتية |
المحاكم الاستئنافية |
مراجعة أحكام المحاكم الابتدائية وضمان سلامة الإجراءات |
تراكم القضايا وتأخر البت فيها |
المحكمة العليا |
تفسير القانون وضمان التزام المحاكم الأدنى بالقانون |
ضعف البنية المؤسسية والبيروقراطية |
إلا أن تلك الجهود وإن كانت اهتمت بالتشخيص للواقع وإبداء الحلول والمعالجات بحسب محددات الظروف الزمنية، ولكنها ظلت في حكم التنظير لتعذر تطبيقها وذلك يعود إلى أسباب ومعوقات مادية وسياسية وتنظيمية مثّلت تحديات للنظام القضائي، ويمكن تناول أبرز التحديات وسبل مواجهتها كالتالي:
المنظومة التشريعية في اليمن ثرية تكاد تكون من أفضل المنظومات ومن ذلك التشريعات المتعلقة بالقضاء إلا أن هذه التشريعات بحاجة إلى مراجعة مستمرة بغرض التطوير والتحديث، بتلمس أوجه القصور والملاءمة مع الواقع ومواجهة المستجدات والمتغيرات.
وقد تبنت الرؤية الوطنية والمنظومة العدلية عملية الإصلاح التشريعي، حيث تم تعديل بعض القوانين واللوائح وأعدت مشاريع والبعض الآخر في طور التعديل، ومن ذلك «قانون المرافعات والتنفيذ المدني، قانون الإجراءات الجزائية، قانون الجرائم والعقوبات، قانون العمل، قانون النيابة العامة، قانون الإجراءات الجزائية العسكرية، قانون التوثيق» هذه القوانين أعدت بشأنها مشاريع تعديل. وقوانين عُدلت وصدرت وهي: «قانون السلطة القضائية، قانون تنظيم علاقة المؤجر بالمستأجر، قانون البنوك» كما أُعدت مشاريع قوانين: «قانون جرائم المعلومات والجرائم الإلكترونية، قانون تنظيم الخبرة أمام القضاء..» كما تم إعداد مشروع اللائحة التنفيذية والتنظيمية للمعهد العالي للقضاء ولوائح أخرى.
هذه الجهود تولتها المنظومة العدلية بالشراكة مع قيادة السلطة القضائية تحت مظلة الرؤية الوطنية. حيث شكلت لجان للتعديلات القانونية وعقد لقاء تشاوري موسع لقيادات السلطة القضائية لإبداء المقترحات بشأن التعديلات القانونية.
وإذا كانت هذه الجهود قد حققت إعداد مشاريع للتعديلات[16]، إلا أن الموضوع بحاجة إلى المزيد وذلك من خلال إجراء مسح واسع للقوانين لتلافي التعارض والتضارب والتكرار، كذلك إزالة الغموض في بعض النصوص والتي أدت إلى تعدد الفهم في تطبيقها مما أدى إلى صدور أحكام قضائية متضاربة.
وإذا كان يتم تلافي بعض الأخطاء والغموض في النصوص بإصدار تعاميم قانونية من المحكمة العليا وهيئة التفتيش القضائي، إلا أن ذلك لا يغني عن تلافي القصور بنصوص قانونية، كما يجب التوصية بإصلاح وتعديل القوانين الخاصة بالتحكيم التجاري والتنمية والاستثمار، بما يزيل المعوقات وتسهيل حل النزاعات التجارية. أيضًا ضرورة سن قوانين لمواكبة التطور التكنولوجي والتجارة الإلكترونية
تتبنى الأنظمة القضائية تطوير وتحديث الهيئات والأجهزة القضائية والعاملين فيها، وذلك عن طريق التدريب والتأهيل المستمر، ويصاحب ذلك التوعية القانونية.
ومن مهام مجلس القضاء الأعلى رسم السياسة العامة للسلطة القضائية ومن ضمنها إيلاء العناية بالتأهيل والتدريب. وذلك أن مستجدات الحياة وتغيرات الزمان وتطوره تستلزم الاهتمام بالتدريب والتأهيل المستمر وتطوير برامجه وآلياته، ومعالجة أوجه القصور والاختلاف في البرامج، وذلك بإدخال برامج تدريبية متطورة متخصصة ومستمرة للقضاة لمواكبة التطورات القانونية والمستجدات والتقنيات الحديثة.
ونظرًا لما يمثله التدريب والتأهيل من أهمية في بناء القدرات وتطوير الخبرات للكادر القضائي والإداري، فإن الحاجة إليه تتزايد في ظل نقص الكوادر المتخصصة في العديد من المجالات.
ويتولى المعهد العالي للقضاء مهمة التأهيل والتدريب وهي من ضمن الاختصاصات الموكلة له، حيث يتم إعداد برامج التدريب والتأهيل المستمر التي تعرض على المجلس العلمي بالمعهد ويوافق عليها مجلس المعهد بعد إعدادها من هيئات وأجهزة السلطة القضائية، ويجب أن يتم تطوير هذه الخطط ومواكبتها للمستجدات من خلال إدخال برامج تدريبية تقنية ومتخصصة باستخدام التكنولوجيا الحديثة وبما يؤدي إلى تبسيط الإجراءات والتسريع في اتخاذ القرارات وتقليل مدد التقاضي بما يؤدي إلى تطوير الأداء وتقريب العدالة.
وإذا كانت المنظومة العدلية قد تبنت معالجة للتدريب والتأهيل لأعضاء السلطة القضائية، إلا أنها أسندت مهمة تنفيذها إلى وزارة العدل، وهذا يعتبر تغييبًا لدور المعهد العالي للقضاء وافتئات على اختصاصاته، كذلك إن إضفاء الصفة والطابع العلمي لتلقي التدريب لا يتحقق إلا بتنفيذها من المعهد، كما أن البرامج التدريبية المنتظمة والمستمرة لا يمكن أن يؤديها إلا المعهد باعتباره المؤسسة العلمية القضائية والمختصة بذلك، والذي يؤدي إلى الحفاظ على الجودة والكفاءة القادرة على التعامل مع تعقيدات القضايا الحديثة.
كما أن التوعية القانونية تمثل أهمية في عملية التقاضي وإعادة الثقة في القضاء، وتستلزم إعداد برامج توعوية تساهم في نشر الوعي والثقافة القانونية والتعريف بدور القضاء والحقوق والواجبات، وكيفية الوصول إلى العدالة.
ويتم نشر الوعي القانوني والقضائي من خلال الصحيفة القضائية والمجلة القضائية من الإدارة الإعلامية بوزارة العدل.
إلا أن الموضوع بحاجة إلى توسيع الجهود وذلك يتطلب تفعيل دور الإعلام القضائي، وكذلك إقامة تواصل وشراكة مع الإعلام الرسمي بتنظيم حملات توعوية في كل الوسائل، والتنسيق مع الجامعات المتخصصة في التعليم القانوني، أيضًا تنظيم حملات توعوية للتعريف بالحقوق القانونية والتشجيع على اللجوء للقضاء.
وهناك تجربة سابقة حيث نظمت وزارة العدل بالتعاون مع وزارة الإعلام عام 2004م حلقة نقاشية بعنوان القضاء والإعلام عُقدت بالمعهد العالي للقضاء.[17]
البنية التحتية هي مجموعة من الهياكل الأساسية والتنظيمية، التي تُمكن النّظام القضائي من القيام بعمله بشكل فعال، بحيث يكون قادرًا على تقديم خدماته بكفاءة وعدالة، وتشمل البنية المادية والبشرية والتقنية، فالبنية التحتية تعاني من ضعف وقلة في الموارد البشرية وعجز في الجوانب المالية والتجهيزات والمعدات ونقص أو انعدام في التقنيات الحديثة.
والقضاء يعاني من نقص أو عدم كفاية الموارد المالية والإدارية وضعف البنية التحتية، حيث إن أغلب مباني المحاكم والنيابات مستأجرة، كما أن كثير من البنية التحتية تعرضت لتدمير ممنهج من قبل العدوان، وهذا يؤثر على القدرة على تقديم خدمات فعالة وإلى تعقيدات في الإجراءات والتأخير في إنجاز القضايا.
ومواجهة ذلك يستلزم إعادة استكمال البنية التحتية، كذلك التحول إلى النّظام الرقمي الإلكتروني وأتمتة العمل القضائي وتطبيق الإدارة الإلكترونية في المحاكم، وهذا يؤدي إلى تسريع الإجراءات والتقليل من الفساد الإداري.
ومواجهة هذا التحدي الكبير يتطلب مجموعة من الإصلاحات الإجرائية والمؤسسية لتحسين كفاءة النّظام القضائي وتسريع إجراءات التقاضي، ويستلزم دعم وتفعيل وسائل وآليات لتقليل العبء والضغط على القضاء، ويمكن اقتراح بعض النقاط التي ستساعد في تحقيق ذلك أهمها:
إن تزايد النزاعات وقلة عدد القضاة والكادر البشري من الموظفين وضعف البنية التحتية أدى إلى تزايد عدد القضايا وتراكمها، وهذا يحتم إيجاد الحلول المناسبة والفاعلة.
والحل يكون بزيادة عدد القضاة المؤهلين، وهذه المعضلة يتولى حلها أو الإسهام في حلها المعهد العالي للقضاء من خلال زيادة عدد المقبولين للالتحاق بالمعهد، وذلك كون مخرجات المعهد الحالية لا تكفي لسد الاحتياج. كذلك يمكن مواجهة ذلك بتكثيف التدريب والتأهيل المستمر للقضاة والموظفين للرفع من كفاءتهم وتدريبهم على استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة.
ولأهمية وضرورة سد النقص في الكادر القضائي، فقد تضمن تعديل قانون السلطة القضائية رقم «1» لسنة 1446ه المساهمة في الحل، حيث نصت المادة «57» مكرر على: «يجوز لرئيس الجمهورية – للاعتبارات التي تدعو إليها المصلحة العامة – أن يُعين بقرار يصدر منه أعضاء في وظائف ودرجات السلطة القضائية – من خارج أعضاء السلطة القضائية – خلال فترة ثلاث سنوات من تاريخ صدور هذا القانون، يختارون من بين أساتذة كلية الشريعة والقانون بالجامعات اليمنية أو من علماء الشريعة الإسلامية الحاصلين على إجازات علمية في الفقه المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة والإصلاح بين الناس، محمودي السيرة والسلوك» وهي مادة انتقالية أضيفت إلى القانون رقم «1» لسنة 1991م.[18]
وتضمنت المذكرة الإيضاحية أن مبرر ذلك اعتبارات دعت إليها المصلحة العامة، وحددت مدة سريان النص بثلاث سنوات، وذلك لتمكين السلطة القضائية من تغطية احتياجاتها من الكوادر البشرية والاستفادة من العناصر ذات الكفاءة والخبرة.
وإذا كان النص قد اشترط المعرفة العلمية، إلا أنه يجب استيفاء الخبرة والمعرفة العملية، وذلك بتلقي دورات في القوانين والإجراءات وبما يتناسب والتوجهات الحديثة للقضاء، وأن تخصص الدورات في كيفية التعامل مع القوانين وتطبيقها، هذا بالنسبة للعلماء. أما أساتذة كلية الشريعة والقانون فهم بحاجة إلى دورات تخصصية في الإجراءات والتعامل مع القضايا.
نظرًا لتزايد عدد القضايا وتنوعها والتعقيدات التي تصاحب بعضها، والعبء الذي تتحمله المحاكم، فإن ذلك يقتضي التخفيف على المحاكم العادية، وإعادة النظر في الهيكل التنظيمي للنظام القضائي وذلك بإنشاء محاكم متخصصة أو التوسع في التخصص النوعي بما يحقق مواجهة التعامل مع أنواع من القضايا، ويؤدي إلى تنظيم العمل والتقليل من التعقيدات والإسراع في الإنجاز.
وإذا كان قانون السلطة القضائية رقم «1» لسنة 1991م قد أجاز إنشاء محاكم ابتدائية متخصصة في المحافظات حيث نصت الفقرة «ب» من المادة «8» على: «يجوز بقرار من مجلس القضاء الأعلى بناء على اقتراح وزير العدل إنشاء محاكم قضائية ابتدائية متخصصة في المحافظات متى دعت الحاجة إلى ذلك وفقًا للقوانين النافذة».
ونتيجة لمتطلبات الواقع والتطورات الجارية فقد توسع تعديل القانون رقم «1» لسنة 1446ه حيث نصت الفقرة «ب» من المادة «8» على: «لمجلس القضاء الأعلى بناء على اقتراح وزير العدل ورئيس هيئة التفتيش القضائي إنشاء محاكم قضائية ابتدائية واستئنافية في الأمانة والمحافظات متخصصة في المنازعات والدعاوى والقضايا الجنائية والتجارية والاقتصادية وغيرها متى دعت الحاجة إلى ذلك»[19]، وهذا يعني أن النص قد راعى التطورات الاجتماعية والاقتصادية وواكب التطورات التكنولوجية.
وفي هذا السياق يتبنى المعهد العالي للقضاء تدريس مواد في الجوانب التجارية والاقتصادية والمالية حيث تتضمن تدريس جرائم الفساد والتهرب الضريبي ومكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب والجرائم الإلكترونية والاتجار بالبشر وغيرها.
من المعوقات التي يعاني منها القضاء التطويل في إجراءات التقاضي وتعقيدات الوصول إلى العدالة، وهذا يستلزم المعالجة وإيجاد الحلول التي تؤدي إلى التسريع في حل النزاعات وتبسيط إجراءات التقاضي من خلال تطوير وتحديث القوانين والإجراءات القضائية.
ومن ضمن مواجهة هذا التحدي ما نصت عليه نصوص القانون رقم «1» لسنة 1446ه المعدِّل للقانون رقم «1» لسنة 1991م، حيث نصت الفقرة «ج» من المادة «8» على: «لمجلس القضاء الأعلى تعيين قضاة تحضير دعوى وقضاة صلح في المحاكم الابتدائية في القضايا المدنية والجنائية والأحوال الشخصية وغيرها من الدعاوى وفقًا لمعايير وضوابط يحددها قرار المجلس».[20]
وسبب تعيين قضاة لتحضير الدعوى ما ورد في المذكرة التوضيحية، فقد نصت على أن «من الملح جدًا تعيين قضاة في المحاكم الابتدائية للاطلاع على الدعوى وتحضيرها ودراستها قبل جدولتها على قاضي الموضوع والحكم، لمواجهة الواقع العملي الذي أظهر التطويل في إجراءات التقاضي والدفوع الشكلية التي تطيل الإجراءات، قبل الخوض في نظر الدعوى موضوعيًا. وكان يجب أن تستوفى بيانات الدعوى وشروطها وأدلتها من قبل قلم الكتاب أو قاضي تحضير الدعوى، وألا تُحدد جلسات لدى قاضي الحكم إلا بعد استيفاء كل ذلك، مما يسهل عليه سرعة البت فيها والحد من تطويل إجراءات التقاضي»[21]، وهذا يؤدي إلى تسريع الإجراءات القضائية والبت في الدعوى، مما يحقق العدالة بشكل أفضل.
وتضمنت المعالجة إنشاء وظيفة قاضي صلح، من خلال إجراءات تهدف إلى تحقيق الصلح بين الأطراف، وذلك لتخفيف العبء على القضاء وتمكينه من التفرغ للقضايا الجسيمة والهامة، وتجنبًا للإفصاح عن قناعة قاضي الحكم عند ندب الخصوم للصلح، وهو ما خوله القانون اليمني. وقد كان من الضروري، وفقًا لمتطلبات الواقع القضائي، إنشاء وظيفة قاضي صلح في المحاكم الابتدائية يكون متفرغًا لهذه المهمة، نظرًا لأن الشعب اليمني، في كثير من الأحيان، يعزف عن التقاضي ويميل إلى الصلح، مما يشجع على التسوية المبكرة للقضايا والاستغناء عن اللجوء إلى المحكمة، كما يساهم في التقليل من إطالة أمد التقاضي، ويعتبر بديلً مناسبًا له.
وفي هذا الإطار أقر مجلس القضاء الأعلى مشروع قرار بتعديل اختصاص المحاكم التجارية الواردة في القرار الجمهوري رقم «19» لسنة 2003م في المادة «122» بإنشاء محاكم تجارية واختصاصاتها، والمتعلقة بمنازعات الإيجار وإخراجها من نطاق اختصاص المحاكم التجارية وإعادة الاختصاص بنظرها للمحاكم الابتدائية العادية صاحبة الولاية العامة. وذلك للحد من تراكم وكثرة القضايا المنظورة أمام المحاكم التجارية، والذي تسبب في تعثر الفصل في المنازعات التجارية ذات الأهمية ولكي يتفرغ القضاء التجاري للقضايا التجارية. بما يعزز من تشجيع النشاط التجاري ودعم الاقتصاد الوطني.[22]
وهذا التعديل جاء استجابة لمتطلبات الواقع، واستنادًا لنص المادة «502» مكرر من قانون المرافعات والتنفيذ المدني والتي أضيفت في تعديل القانون رقم «1» لسنة 2021م الذي عدل بعض نصوص القانون رقم «40» لسنة 2002م حيث نصت على أن: «يتولى مجلس القضاء الأعلى العمل على الحد من التطويل وتراكم القضايا من خلال اللوائح التنظيمية والقرارات المتعلقة بسير الأداء في المحاكم والنيابات وصولًا لتحقيق العدالة بأيسر السبل وأسرعها ويجب تزمين القضايا وكتابة محصلاتها قبل حجزها للحكم لتخضع لرقابة هيئة التفتيش القضائي».
نظرًا لما يعانيه القضاء من مشاكل وتحديات، فقد انعكس ذلك على اهتزاز الثقة فيه، مما يستلزم إعادة بنائها. ويتطلب ذلك تبنّي إصلاحاتٍ تركز على تعزيز الاستقلالية، والنزاهة، ومكافحة الفساد، وتحسين البنية التحتية، وتطوير مستوى التعاملات والممارسات والإجراءات، بما يحقق العدالة ويعزز سيادة القانون.
وعملية الإصلاحات وارتباطها بإعادة الثقة، تتطلب جهودًا مكثفة ومتكاملة على كل المستويات القانونية والمؤسسية، بما يواجه التحديات والتغلب عليها، ويمكن تناول بعض مواطن الإصلاح المطلوبة في هذا الجانب بالتالي:
من أهم عوامل الاستقرار القضائي واستمرارية القضاء في تأدية مهامه، استقلال القضاء عن السلطتين التنفيذية والتشريعية والأفراد، وذلك بضمان عدم التدخل في شؤون السلطة القضائية وتنظيم مبدأ التعاون بين السلطات، كذلك تفعيل ضمانات الاستقلال والحماية والأهم حماية القضاة من الضغوط السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وإذا كان ضمان الاستقلال مقرر صلب الدستور، إلا أن ذلك بحاجة إلى تفعيل في الواقع من خلال إصدار قانون أو إضافة نصوص تتضمن حماية القضاة وتجريم وعقاب التدخل في شؤونهم وضمان الحرية في اتخاذ قراراتهم، بما يؤدي إلى الرفع من مستوى القضاء ويعيد الثقة إليه.
من التحديات التي تؤدي إلى تآكل الثقة في القضاء وتؤثر على نزاهته وقدرته على تحقيق العدالة الفساد القضائي، ومن أهم وسائل مكافحة الفساد والحد منه، الاعتراف بوجود الفساد وتشخيص مكامنه وأسبابه وإيجاد الحلول المناسبة والفعالة لمواجهته، والمكافحة والحد من الانتشار تقتضي مراقبة الأداء القضائي وتفعيل أجهزة الرقابة والتفتيش للتحقق من قضايا الفساد. وتفعيل هذه الأجهزة يستلزم مدها بآليات ووسائل القوة وإجراء المحاسبة والمحاكمات وفرض العقوبات الرادعة، وكذلك نشر الأخلاقيات المهنية من خلال التوعية بالسلوكيات وقيم النزاهة والشفافية في العمل القضائي.
وتتولى هيئة التفتيش القضائي الدور الهام في مكافحة الفساد والحد من انتشاره، من خلال المهام والاختصاصات الموكلة لها، وتم تعزيز هذا الدور وتقويته في تعديل نصوص قانون السلطة القضائية رقم «1» لسنة 1446ه في المواد «92، 93، 94، 95، 96، 97» وذلك بتعزيز التفتيش الدوري والمفاجئ وتقييم الأداء المهني والتنظيمي والمسلكي والإجرائي...، وتلقي الشكاوى ضد القضاة وأعضاء النيابة... ومراقبة سير العمل في المحاكم والنيابات وتقدير مستوى الرضا العام بعملها، وتقديم المقترحات لمجلس القضاء الأعلى.
كما تضمنت عملية الإصلاحات السابقة فصل هيئة التفتيش القضائي وجهاز التفتيش على أعضاء النيابة العامة، وإزالة القيود والأسباب التي حدت من دور التفتيش في مراقبة الأداء، والتمكين من التفتيش على كافة النواحي المهنية والتنظيمية والمسلكية والإجرائية، وخوّل القانون مجلس القضاء الأعلى إصدار لائحتي التفتيش القضائي والتفتيش على أعضاء النيابة العام، كما تضمّن التعديل تعزيز التأديب والمحاسبة على القضاة وأعضاء النيابة العامة، وشدد على الإخلال بالواجبات الوظيفية وإجراءات المحاكمة والعقوبات.
ولمواجهة تجاوزات وانحرافات بعض القضاة الذي أفرزها الواقع العملي، وبالذات في قضايا التحكيم والقسمة، فيما يقومون به من إجراء التحكيم في الاستيلاء والتفريط لما يعهد إليهم من أمانات أو عدول أو بمناسبة إجراءات تكليفهم بالحراسة القضائية والأمانات المتعلقة بالعهد والمضبوطات الخاصة والحقوق كأموال الشفعة أو غيرها.
واستلزم ذلك إضافة فقرة إلى قوام العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها على القضاة أو أعضاء النيابة العامة، حيث نصت الفقرة «9» من المادة «115» على: «أي عقوبة أشد يقرها مجلس القضاء الأعلى وفقًا لطبيعة الجريمة المرتكبة».
وأعقب العقوبات: وفي جميع الحالات المذكورة سابقًا يجب على المجلس الفصل في دعوى الحقوق الخاصة بما في ذلك إلزام القاضي أو عضو النيابة برد الأموال والحقوق كأموال الشفعة وغيرها[23]، وهذه ضمانة هامة تنبه إليها واضع النص وحتّمها الواقع العملي.
وفيما يتعلق بمكافحة الفساد فقد تضمن القرار الجمهوري رقم «29» لسنة 1446ه بتحديد الأهداف والمهام والاختصاصات العامة والتقسيمات التنظيمية الرئيسية لوزارة العدل وحقوق الإنسان، نصوصًا تساهم في مواجهة الفساد ومكافحته، فقد نصت الفقرة رقم «10» من المادة الثالثة التي حددت المهام والاختصاصات العامة للوزارة: «-10 الإشراف والتفتيش الدوري والمفاجئ على جميع الأعمال المالية والإدارية في المحاكم للتأكد من التزامها بالقوانين واللوائح والقرارات النافذة».
كما نصت الفقرة «24» على: «استقبال الشكاوى والبلاغات المتعلقة بعمل الوزارة والتعاطي الجاد والإيجابي معها والتحقيق فيها واتخاذ القرارات المناسبة بشأنها ومساءلة من يثبت تقصيره عند ثبوت صحة الشكاوى والبلاغات وفقًا للقوانين واللوائح والقرارات النافذة».[24]
من أهم التحديات التي ساهمت في فقدان الثقة في القضاء، عدم أو بطء تنفيذ الأحكام القضائية وإشكالاتها. حيث أن ثمرة الأحكام تنفيذها. أما أسباب ومعوقات عدم التنفيذ فهي كثيرة، حيث تعود المعضلة إلى الفهم الخاطئ والتفسير غير السليم للتنفيذ والنصوص المنظمة للتنفيذ والتي تخلق إشكالات عديدة في التنفيذ وإجراءاته. ومنها التعقيدات في الإجراءات واختلاف آلياتها.
ومن عوامل الإعاقة التلاعب في تطبيق إجراءات التنفيذ وتفشي الفساد وتدخلات أصحاب النفوذ وكذلك النزاعات المتعلقة بتفسير الأحكام القضائية. ومواجهة ذلك يستلزم ضرورة تقديم الحلول، ولعل أهمها: مراجعة قوانين وإجراءات التنفيذ بما يؤدي إلى تحديث وتبسيط إجراءات التنفيذ، كذلك تعزيز التعاون بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية «الأجهزة المختصة» بالتنسيق في تنفيذ الأحكام، أيضًا الاهتمام بالشرطة القضائية ودعمها ومدها بالإمكانيات وتطوير قدراتها على سرعة تنفيذ الأحكام، كذلك إنشاء هيئة أو جهاز رقابي يتولى متابعة تنفيذ الأحكام القضائية.
كذلك فإنه من المهم إقامة دورات تخصصية لمسؤولي التنفيذ ضمن برامج التأهيل المستمر بالمعهد العالي للقضاء لتسهم بشكل كبير في مواجهة ومعالجة الأخطاء وتذليل صعوبات وإشكالات التنفيذ.
في نهاية هذا المحور يمكن تلخيص أهم التوصيات المطلوبة لإصلاح النّظام القضائي أكثر كالتالي:
ولفهم كل ذلك بشكل أكثر وضوحًا فقد تم تلخيص ذلك في الجداول التالية، والتي تشرح أبرز المشاكل التي تواجه النّظام القضائي وسبل مواجهتها والتجارب الدولية الناجحة للقيام بذلك:
جدول «10»
أبرز التحديات التي تواجه النّظام القضائي
اليمني
نوع التحدي |
الوصف |
الأثر على النّظام القضائي |
أمثلة من الواقع اليمني |
تشريعية |
غياب التشريعات التي تواكب التطورات الحديثة مثل الجرائم الإلكترونية والتحكيم التجاري |
بطء استجابة القضاء للقضايا الحديثة |
نقص القوانين المتعلقة بالتجارة الإلكترونية |
بنيوية |
نقص البنية التحتية المناسبة للمحاكم |
ضعف الكفاءة التشغيلية وزيادة الضغط على المحاكم |
محاكم غير مهيأة لاستيعاب التكنولوجيا |
إدارية |
غياب آليات فعالة للرقابة والمحاسبة |
انتشار الفساد والتأثير السلبي على ثقة الجمهور |
نقص أنظمة تقييم أداء القضاة |
تكنولوجية |
ضعف استخدام التكنولوجيا في العمليات القضائية |
تأخر الفصل في القضايا وزيادة التكاليف |
غياب الأنظمة الإلكترونية لإدارة القضايا |
جدول «11»
ملخص أبرز المعالجات المطلوبة للنظام
القضائي اليمني والأمثلة الدولية
الحل المقترح |
الوصف |
التطبيق العملي |
أمثلة دولية للاستفادة |
تحديث التشريعات |
صياغة قوانين تواكب التطورات الحديثة كالتعامل مع الجرائم الإلكترونية |
تشكيل لجنة تشريعية تضم خبراء قانونيين وقضاة لمراجعة القوانين الحالية |
قوانين الجرائم الإلكترونية في سنغافورة |
تحسين البنية التحتية |
بناء محاكم جديدة وتجهيزها بالبنية التكنولوجية المناسبة |
تخصيص ميزانية حكومية لدعم مشاريع تطوير البنية التحتية القضائية |
تجربة ألمانيا في بناء محاكم متخصصة |
تعزيز الرقابة والمحاسبة |
إنشاء هيئة مستقلة للرقابة القضائية تعمل على مراقبة الأداء ومحاسبة القضاة |
تدريب الكوادر المختصة على آليات الرقابة والمساءلة |
هيئة الرقابة القضائية في جنوب أفريقيا |
تطبيق التكنولوجيا |
إدخال أنظمة إدارة القضايا والمحاكم الرقمية لتسريع الإجراءات |
التعاون مع شركات تقنية لتطوير أنظمة إلكترونية ملائمة للقضاء اليمني |
تجربة المحاكم الرقمية في الولايات المتحدة |
لقد تناول هذا البحث العلاقة الوثيقة بين القضاء والتنمية، مسلطًا الضوء على دور القضاء في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي من خلال توفير بيئة قانونية عادلة وفعالة. كما تم استعراض التجارب العالمية الناجحة التي اعتمدت على تحسين البناء التنظيمي والثقافة القضائية كأدوات رئيسية لإصلاح الأنظمة العدلية. وتكشف هذه التجارب أن القضاء ليس مجرد أداة للفصل في النزاعات، بل هو ركيزة أساسية لدعم التنمية المستدامة، حيث يساهم القضاء الفعّال في جذب الاستثمارات، تعزيز سيادة القانون، والحد من الفساد، مما يؤدي إلى تحقيق عدالة اجتماعية واقتصادية أكثر استقرارًا.
أما بالنسبة للنظام القضائي في اليمن، فقد تم تشخيص واقعه من خلال تحليل الهيكل التنظيمي والثقافة التنظيمية التي تؤطر عمله. وقد برزت العديد من التحديات التي تؤثر على كفاءته، بدءًا من ضعف البنية التحتية، مرورًا بتعقيدات الإجراءات القضائية، وصولً إلى نقص الكفاءات المتخصصة التي يمكنها مواكبة التطورات القانونية والإدارية الحديثة. ورغم الجهود المبذولة في الإصلاحات القضائية، إلا أن الحاجة لا تزال قائمة لمزيد من التطوير، سواء من حيث تحديث التشريعات، أو تعزيز استقلالية القضاء، أو إدخال التكنولوجيا لرفع كفاءة الأداء، واستنادًا إلى التجارب الدولية الناجحة، يمكن لليمن أن يتبنى مقاربة شاملة للإصلاح القضائي، تبدأ برقمنة العمليات القضائية لتسريع البت في القضايا وتعزيز الشفافية، مرورًا بتطوير برامج تدريب وتأهيل القضاة بما يواكب أحدث المستجدات القانونية، وصولً إلى إعادة هيكلة النّظام الإداري والقضائي لضمان فاعليته. كما أن التعاون مع المنظمات الدولية والقطاع الخاص يمكن أن يكون له دور محوري في توفير الدعم الفني والمالي اللازم لتنفيذ هذه الإصلاحات.
في نهاية المطاف، فإن إصلاح القضاء في اليمن ليس مجرد مسألة تقنية أو إدارية، بل هو مسار استراتيجي لتحقيق العدالة والتنمية المستدامة. فوجود نظام قضائي كفء ومستقل لا ينعكس فقط على تحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات، بل يسهم أيضًا في ترسيخ سيادة القانون وتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي. لذا، فإن تبني نهج متكامل يجمع بين الإصلاح القانوني، الاستفادة من التكنولوجيا، وتعزيز النزاهة والشفافية، هو السبيل الأمثل لتحقيق قضاء حديث وعادل قادر على مواكبة تطلعات المجتمع اليمني نحو مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة.