التداخل والتجاوز في المهام والاختصاصات في الإدارة العامة باليمن
أدى التقاسم السياسي للسلطة في اليمن إلى تضخمٍ على مستوى الهيكل العام للدولة، نتج عنه تضخم قانوني أنتج ظاهرة التداخل في المهام والاختصاصات بين الجهات الحكومية حيث ولأسباب سياسية تم إنشاء وزارات ووحدات وهيئات إدارية لها مهام متشابهة، في فترات سابقة، ويمثل التداخل والتجاوز في المهام والاختصاصات أحد أبرز التحديات الإدارية في الدول التي تسعى إلى تطوير جهازها الحكومي ورفع كفاءته. وتؤثر هذه الظاهرة سلبًا على تنفيذ السياسات العامة، وتؤدي إلى ازدواجية الجهود وتكرار الإنفاق وتضارب القرارات. ما دفع صانع القرار السياسي في صنعاء إلى ترشيق الحكومة ودمج وزارات الدولة في حكومة (التغيير والبناء) في 18 أغسطس 2024 بعدد 19 وزارة، في سابقة تاريخية في اليمن، تشير إلى توفر الإرادة السياسية نحو الإصلاح المؤسسي، فخلال ثلاثة عقود ونصف تشكلت أكثر من 13 حكومة، لم يقل عدد الحقائب الوزارية في أي حكومة عن 35 وزارة، وقرار تشكيل حكومة التغيير والبناء بهذا العدد من الوزارات هو الخطوة الأولى التي يجب أن تلحقها استكمال هيكلة الهيئات والمؤسسات وتوصيف كل وظيفة، لمعالجة ظاهرة التجاوز والتداخل في الاختصاصات والمهام، كون الإدارة العامة نسق هيكلي ضمن مكونات الدولة الحديثة تتمتع بخاصية التنفيذ، وعلى كل عنصر من عناصرها يؤدي وظيفة إيجابية داخل النسق الإداري، وفي الخطوة الثانية يتم مراجعة وضبط وتعديل المنظومة القانونية المتعلقة بالإدارة العامة القائمة كاملة، ووضع النظم القانونية الجديدة المنظمة للعمل في الحكومة وفق الشكل الهيكلي الجديد.
إننا أمام قضية، تمس مستقبل اليمن وتقدمه وإذا لم تعالج مثل هذه القضايا اليوم في ظل العدوان والحصار فإن القطاع الحكومي في اليمن سيستمر في مواجه التحديات وتركيز المؤسسات الحكومية على العمليات والإجراءات أكثر منه على النتائج. وانشغال القيادات العليا بأمور إدارية تنفيذية. وقلة الوقت المتاح للتخطيط الاستراتيجي ووضع السياسات. وضعف مستوى التنسيق بين المؤسسات الحكومية في تعاملها مع القضايا والمواضيع والخدمات التي تشترك فيها أكثر من مؤسسة وازدواجية المهام والمسؤوليات. وعدم تخصيص الموارد المالية والبشرية تبعًا لأهداف استراتيجية.
كلمات مفتاحية: اليمن، الإدارة العامة، التداخل في الاختصاصات، الإصلاح المؤسسي، الفساد الإداري.
Abstract
The political distribution of power in Yemen has engendered an expansion of the State's overall structure, resulting in a form of legal inflation manifested through the duplication and overlap of functions and competencies among governmental authorities. For political reasons, ministries, units, and administrative bodies with parallel mandates were established in previous periods. Such overlap and encroachment in functions and jurisdictions stand among the most significant administrative challenges confronting states endeavoring to reform their governmental structure and enhance its efficiency. This phenomenon has had a detrimental effect on the implementation of public policies, giving rise to duplication of efforts, unnecessary expenditures, and contradictions in governmental decision-making.
Given these circumstances, the competent political authorities in Sana’a undertook, on 18 August 2024, the streamlining of the Council of Ministers through the consolidation of ministerial portfolios, thereby establishing the “Government of Change and Reconstruction,” composed of nineteen ministries only. This constitutes an unprecedented measure in the history of the Republic of Yemen and is indicative of the existence of a demonstrable political will to advance institutional reform. Over the preceding three and a half decades, no fewer than 13 successive governments were constituted, none comprising fewer than 35 ministerial portfolios. The establishment of the Government of Change and Reconstruction with such a reduced number of ministries represents an initial phase, to be followed by the comprehensive restructuring of agencies and public institutions and the formal delineation of functions and responsibilities, with a view to eliminating duplication and overlap in competencies. Public administration, as an organic component of the modern State, is characterized by its executive function; each of its constituent elements must therefore discharge a constructive role within the administrative system. A subsequent phase necessarily requires the review, harmonization, and amendment of the existing legal system governing public administration is conducted, and new legal regimes are established to regulate governmental operations under the new structural form. This matter pertains directly to the future and progress of Yemen. Failure to address such structural and legal challenges, particularly under the prevailing conditions of aggression and blockade, will continueto face challenges, with its institutions will continue to focus predominantly on processes and procedures rather than on substantive outcomes; senior leadership will remain unduly absorbed by executive and administrative matters, thereby limiting the scope for strategic planning and policy formulation; institutional coordination will remain deficient in the discharge of shared competences, functions, and services; and financial as well as human resources will continue to be allocated without due reference to strategic objectives.
Keywords: Yemen, public administration, overlap of competencies, institutional reform, administrative corruption.
إن ممارسة السلطة اليوم في الدول القائمة على سيادة القانون تقتضي الكثير من الانضباط والحكمة والدراية، بحيث لا تخرج هذه الممارسة عن نصوص الدستور والقانون، من هنا تبرز أهمية وضع قواعد قانونية ضابطة للاختصاص بكل وضوح ويسر كمرجعية تحول دون الشطط في ممارسة الاختصاص وتقود إلى احترام القانون في الدولة. فالخلل في التشريع وممارسة الاختصاص قد يؤدي إلى زعزعة وحدة المجتمع وتقويض الدولة.
الحديث عن الاختصاصات والمهام يعني الحديث عن جوهر الإدارة العامة وآليات اتخاذ القرار فيها وتنفيذ الأعمال منها، والاختصاص في الإدارة العامة يعني الولاية لممارسة الأعمال وإصدار القرارات، فعند اليابانيين أن سر تقدمهم نجاح إدارتهم وتحديد الاختصاصات بوضوح للوحدات الإدارية بالدولة وموظفيها أحد أهم أركان جودة الإدارة العامة لديهم، وإشكالية تنازع وتداخل الاختصاصات والمهام بين المرافق العامة من أهم الموضوعات في الميدان القانوني الإداري لارتباطه بإدارة الشؤون العامة للبلاد، وانعكاسه سلبًا على الحياة العامة (إداريًا وقانونيًا وسياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا... إلخ).
من أهم المشاكل التي تعاني منها الدولة تداخل وتشابك الاختصاصات بين وزارات وأجهزة وهيئات ومؤسسات الدولة ويؤدي هذا التشابك إلى ازدواجية البرامج والأدوار وتنازع الاختصاصات إضافة إلى إرهاق ميزانية الدولة المالية بتكرار الإنفاق كما أن التنمية الإدارية تعتمد وبشكل أساسي على الإدارة الفاعلة بغرض تطوير الأداء الإداري وتجويده، ومن أبرز أوجه تطور القطاع العام هو معالجة التداخل والازدواجية التي تعاني منها مختلف قطاعات الإدارة، وفي المقابل فان فصل الاختصاص ساعد على ترقية الفاعلية والكفاءة في إنتاج المصلحة العامة وأداء مستويات عالية من الخدمة الفردية والجماعية للمجتمع.
وقد عاش الجهاز الإداري للدولة في اليمن خلال 35 عام حالات توسع وحالات انكماش بسيط، وطغيان العامل السياسي على العامل الإداري، منذ الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990 ودمج المؤسسات الدستورية للدولة لدولتين، مرورا بحرب الخليج الثانية 1991 وتأثيرها على دول المنطقة والتي أفضت إلى حرب صيف 1994 في اليمن وأحداث 2011 وما أفرزته المبادرة الخليجية وأحداث 21 سبتمبر 2014 إلى العدوان على اليمن في 26 مارس 2015 التي استمرت إلى الآن وتشكيل حكومتين في الخارج والداخل وانقسام البلد، وتغليب العامل السياسي على العامل الإداري وصولًا إلى تشكيل الحكومة الأخيرة في أغسطس 2024 بـ 19 وزارة.
إن مشكلة التداخل والتجاوز في الاختصاص هي إشكالية ناتجة عن التكرار بين أعمال أكثر من جهة إدارية في ممارسة الاختصاص نفسه، كما هو الحال في اليمن فعلى سبيل المثال، في قطاع المياه هناك تضخم هيكلي يفرز تداخل (وزارة المياه والبيئة وزارة الزراعة والري، وزارة الثروة السمكية، هيئة الموارد المائية هيئة تنمية مياه الريف، المؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي،... إلخ) وتعدد التشريعات المنظمة لهذه الجهات الحكومية. وغني عن البيان إن الأوان لهذا النوع من التداخل غير المنظم في الصلاحيات الذي له آثار سلبية على أكثر من مستوى.
إن التداخل والتجاوز في الاختصاصات والمهام بين وزارات وهيئات ومؤسسات الدولة ووحداتها المختلفة باليمن. لم يأخذ حقه من التخطيط والتنسيق، والمراجعة والتصويب، لتطوير الأداء الإداري وتجويده، ومن أبرز أوجه تطوير القطاع العام هو معالجة التداخل والازدواجية التي تعاني منها مختلف الجهات الحكومية باليمن، الأمر الذي يتطلب سرعة معالجة التداخل والتجاوز في المهام والاختصاصات للإدارة العامة بمشروع وطني شامل ومراجعة كلية للتشريعات الإدارية.
تأتي الأهمية الوطنية الداخلية في تحقيق أهداف التنمية وتقديم الخدمات للمواطن بجودة ويسر ما يعزز مشروعية الحكم، والأهمية الدولية الخارجية المتعلقة بالعون الدولي والاستثمار وغيرها. وتنبع أهمية دراسة ظاهرة تجاوز الاختصاصات في الحكومة كونه يُعد انتهاكًا للضوابط الدستورية والقانونية، ويمكن أن يؤدي إلى عواقب سلبية على كافة المستويات والحقوق والحريات والاستقرار السياسي. ومن المهم وضع آليات فعّالة لمنع هذه التجاوزات وضمان احترام السلطات لصلاحياتها المحددة.
إن عدم تحديد وتوزع الاختصاص بين هيئات الإدارة وأجهزتها، من أهم العوامل المساعدة على نشوء حالة اللا توازن التي تحد من فاعلية الأداء الإداري الكفؤ وتأخر عجلة التنمية، وذلك لارتباطها بالاختلالات الظاهرة في جهاز الحكومة أثناء ممارسة العملية الإدارية وما يتبع ذلك من غموض والارتباك الملازم للمسؤولين بمختلف مواقعهم في السلم الإداري، أثناء محاولة فهمهم لما أنيط بهم من اختصاصات ومهام، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تشتت الجهود وارتباكها وتتعثر عجلة التنمية. كما أن التنمية الإدارية تعتمد بشكل أساسي على الإدارة الفاعلة لقطاع الحكومة. إن عملية فك التداخل والازدواجية في مهام واختصاصات الأجهزة الحكومية، مهمة جدًا وتؤدي حتمًا إلى ترشيد الإنفاق وتوفير الجهود وتعزيز دولة الحق والقانون، وتبسيط إجراءات الخدمات المقدمة للجمهور، وتطوير الجهاز الوظيفي، وتوجيه الأجهزة الرقابية للعمل بالرقابة بالأهداف بدلًا من الرقابة بالإجراءات، وتبني سياسة تقديم الأجهزة الحكومية لخدمة متكاملة، وتبني الضوابط الخاصة بالشفافية.
ففي الجانب النظري نتطرق لمفهوم ظاهرة التداخل في الاختصاص والآثار السلبية الناجمة عن التداخل في الاختصاص وفي الجانب التطبيقي نتناول أبرز الأسباب المؤدية للمشكلة ومظاهرها في اليمن. وعن المنهجية والمنهج المتبع في الدراسة: فإشكاليات البحث الرئيسية لموضوع البحث التساؤل حول معرفة أهمية تحديد الاختصاصات، وإيضاح ظاهرة التجاوز والتداخل للمهام والاختصاصات كمشكلة إدارية وآثارها، وأين تتجلى مظاهر الاختلال للتداخل والتجاوز في المهام والاختصاصات في جهاز الدولة باليمن، وكيف يمكن الإصلاح لهذا الخلل، وما هي المعالجات التي اتخذتها الدول التي سبقتنا في هذا المجال.
تم الاعتماد على المنهج الوصفي التحليلي في هذه الدراسة، ونرى أنه المناسب في إثراء هذا الموضوع. كما تم تقسيمها تقسيمًا منهجيًا ثنائيًا، تضمّن مبحثين هما:
وخلصت إلى الخاتمة (النتائج والتوصيات).
نتناول في المبحث الأول من هذه الدراسة، الجانب النظري لبيان المفاهيم العامة، ذلك هو المطلب الأول، والذي سيليه آثار الظاهرة محل البحث وعدد من التجارب الدولية لحل المشكلة الإدارية في المطلب الثاني، كما يلي:
لتحديد مفهوم مشكلة تجاوز الاختصاصات في مجال التنظيم الإداري في إطارها الخاص، نرى تحديدها في إطارها العام على اعتبار أن إشكالية التداخل في الاختصاص هي في نهاية التحليل، جزء من ذلك المفهوم العام لها ونورد هنا المفاهيم المتعلقة بالدراسة كالتالي:
الاختصاصات هي مجموعة مهام وصلاحيات تقوم بها وحدة تنظيمية دون غيرها حددها القرار الإداري الصادر بشأن تنظيم الجهة وتأتي من الأهداف الرئيسة والاختصاصات العامة التي حددها قانون استحداث أو تأسيس الجهاز الحكومي.[1]
الاختصاص هو صلاحية قانونية لموظف معين أو جهة إدارية محددة في اتخاذ القرار الإداري تعبيرًا عن إرادة الإدارة.[2]
1. الاختصاص في القانون العام:[3]
إن توزيع الاختصاصات بين الجهات الإدارية، هو من الأفكار الأساسية التي يقوم عليها نظام القانون العام ويراعى فيها مصلحة الإدارة التي تستدعي أن يتم تحديد المهام لكل وزارات وهيئات ومكونات السلطة التنفيذية، وتقسيم العمل للموظفين حتى يتفرغ كل موظف لأداء المهام المناطة به على أفضل وجه، كما أن قواعد الاختصاص تحقق مصلحة الأفراد من حيث أنه يسهل توجه الأفراد إلى أقسام الإدارة المختلفة ويساهم في تحديد المسؤولية الناتجة عن ممارسة الإدارة لوظيفتها.
ويقصد بالاختصاص: «القدرة على مباشرة عمل إداري معين أو تحديد مجموعة الأعمال والتصرفات التي يكون للإدارة أن تمارسها قانونًا وعلى وجه يعتد به.»
والقاعدة أن يتم تحديد اختصاصات كل وحدة إدارية وكل عضو إداري فيها بموجب القوانين والأنظمة ولا يجوز تجاوز هذه الاختصاصات وإلا اعتبر القرار الصادر من الوحدة الإدارية وهذا العضو باطلًا.
وقواعد الاختصاص تتعلق بالنظام العام، لذلك لا يجوز لصاحب الاختصاص أن يتفق مع الأفراد على تعديل تلك القواعد، وإلا فإن القرار الصادر مخالفًا لهذه القواعد يكون معيبًا بعيب عدم الاختصاص، ويكون لصاحب الشأن أن يطعن بهذا العيب أمام القضاء الإداري بدعوى الإلغاء ولا يسقط الدفع بهذا العيب بالدخول في موضوع الدعوى، ويجوز إبداؤه في أي مرحلة من مراحلها، وعلى القاضي أن يحكم بعدم الاختصاص تلقائيًا لو لم يثيره طالب الإلغاء.[4]
في علم الإدارة هناك أهداف ومهام واختصاصات، بمعنى أن يكون لكل وحدة إدارية اختصاصاتها، مما يمنع الازدواجية والتضارب في إنجاز الأعمال، كما أن أي عمل يقوم به أكثر من شخص يجب أن يتم توزيع هذا العمل بينهما حتى ينجز في وقته وباحترافية، يتضح هنا ضرورة ممارسة الإدارة لعملها في إطار تحديد واضح لاختصاصاتها قد كان بمثابة هاجس يطغى على اهتمامات مؤسسات الدولة، بغية جعل البنيات الإدارية قادرة على القيام بالعمليات المطلوبة منها والحصول على نسبة مقبولة من تنفيذ المقررات الإدارية، دون وجود أي تداخل أو ازدواجية في الاختصاص بين الوحدات والمستويات الإدارية. لذلك فتحديد الاختصاصات الإدارية عادة ما يشكل جانب لا يستهان به من مخططات الإصلاح الإداري.[5]
يمكن القول إن الاختصاصات هي المحرك الرئيس لأي قرار في مؤسسات الدولة، وهذا يتطلب من كل مؤسسة تعريف وتحديد نوع المهام المطلوب إنجازها واتخاذ القرارات تبعًا لكل مستوى وظيفي من مستوياتها. ومن هذا الفهم يمكن تقسيم الاختصاصات إلى خمس أنواع رئيسية هي:[7]
ويتضح الاختلاف من حيث المقصود في كل منها، فالهدف من قواعد الاختصاص حماية المصلحة العامة أما قواعد الأهلية فالهدف منها هو حماية الشخص ذاته، وأن الأهلية في القانون الخاص هي القاعدة، أما عدم الأهلية فاستثناء على هذه القاعدة، ويختلف الاختصاص عن ذلك في أنه يستند دائمًا إلى القانون الذي يبين حدود أمكان مباشرة العمل القانوني، وأن سبب عدم الأهلية يتركز في عدم كفاية النضوج العقلي للشخص بينما يكون الدافع في تحديد الاختصاص هو العمل على التخصيص وتقسيم العمل بين أعضاء السلطة الإدارية.
يقصد بها القدرة قانونًا على مباشرة عمل إداري معين. فالقانون هو الذي حدد لكل موظف نطاق اختصاصه، وبالتالي فقواعد الاختصاص هي من صميم عمل المشرع ليحدد لكل سلطة اختصاصها ومجال عملها بما في ذلك السلطة التنفيذية على اختلاف هياكلها الإدارية الكثيرة منها، المركزية والمحلية والمرفقية.[8] كما تعرف قاعدة الاختصاص أنها القدرة أو الصفة القانونية على ممارسة وإصدار قرار إداري معين باسم ولحساب السلطة الإدارية، فالقاعدة التي تهيمن على سير الإدارة العمومية حسب هذا التعريف هي أنه لا يمكن لأي عون إداري القيام أعمال إدارية باسم الجماعة الإدارية إذا لم يقلد الاختصاص المطابق.[9] ولما كانت قواعد الاختصاص عمل منوط بالمشرع إذ هو الذي يحدد المهام والوظائف ويوزع الأدوار لمختلف السلطات الإدارية ترتب عن ذلك نتيجة قانونية مفادها أن قاعدة الاختصاص هي من النظام العام حيث لا يجوز الاتفاق على مخالفتها تحت أي ذريعة من الذرائع كأصل عام إلا إذا خول القانون جهة الإدارة نقل اختصاصها إلى جهة إدارية أخرى على سبيل الاستثناء المنصوص عليه.
ومن التعريفات لنظرية الاختصاص يتضح أنها: السلطة أو الصلاحية التي يتمتع بها متخذ القرار في إصدار قراره من الناحية النوعية الزمانية والمكانية وهي مثابة الرخصة القانونية التي تمنح الموظف العام حق ممارسة نشاط معين أو اتخاذ تصرف معين على صورة تضمن شرعية التصرف وقانونيته، وعلى هذا الأساس اقتضي تدرج الهرم الإداري من المشرع تحديد وتوزع الاختصاصات داخل الهرم الإداري بصفة لا تترك للموظف أو الهيئة سلطة الخروج عنها، كما أن قواعد الاختصاص تقوم على أساس الجمع بين عنصرين احدهما موضوعي والأخر شخصي ومحورهما هو تحقيق الارتباط بين تصرف معين وشخص معين، أو تحديد عضو الإدارة المختص الذي يحق له إصدار القرار الإداري في الزمان والمكان المحددان قانونًا.[10]
والاختصاص حسبما عرفه بعض الفقه، هو الأهلية أو القدرة القانونية الثابتة لجهة الإدارة والأشخاص التابعين لها لإصدار القرارات محددة من حيث موضوعها أو نطاق تنفيذها المكاني أو الزماني.[11]
مفهوم التداخل والتجاوز: يقصد به ممارسة أكثر من جهة حكومية لنفس المهمة أو المسؤولية أو تدخل جهة في اختصاص جهة أخرى.
حينما يغتصب من لا ولاية له، سلطة إصدار قرار إداري ويصدره أو ممارسة عمل إداري ما ويمارسه دون سند قانوني له ووجود سند قانوني يحدد هذا الاختصاص لغيره. ويقصد بعيب الاختصاص خرق القواعد التي تحدد الجهة المختصة بالقيام بتصرفات معينة - بمعنى أنه إذا قام المشرع بتحديد اختصاص ما أوكل به إلى فرد معين أو إلى هيئة بذاتها بدون مشاركة أو أوكل به إلى عدة موظفين أو هيئات ليمارسه كل على حده، أو أشترط لممارسة اختصاص ما شاركه عدة أفراد أو هيئات وتعاونها معا، بحيث لا يكون العمل الإداري صحيحًا إلا بموافقتهم جميعًا وإذا صدر العمل أو التصرف الإداري من جهة مخالفة للجهة التي حددها المشرع للقيام بذلك العمل فأن تصرفها يعتبر صادر ممن لا يملك هذا الحق لأنها غير مختصة به وبالتالي يكون قابلًا للإلغاء لتوفر عيب الاختصاص، وعيب الاختصاص يعتبر الوجه الوحيد من أوجه الإلغاء الذي يتعلق بالنظام العام، وهو يتخذ صورًا مختلفة.[12]
التداخل في الاختصاص: هو الحالة التي يقوم فيها أكثر من جهاز إداري بتقديم خدمات متماثلة لنفس أصحاب المصلحة،[13] والمقصود بتنازع الاختصاصات هو: تداخل وتشابك المهام والمسؤولية بين مؤسسات الدولة ومحاولة كل مؤسسة انتزاع ما تعتقد انه من حقها والهروب من مسؤولياتها.[14] والتجاوز في المهام والاختصاصات في الإدارة العامة هو قيام شخص أو جهة إدارية بمهام تتجاوز نطاق صلاحياتها المحددة قانونًا وأنظمتها، مما يؤدي إلى خلل في التنظيم الإداري ومخالفة لمبدأ توزيع الأدوار، وقد يؤدي إلى بطلان القرارات الصادرة أو التعسف في استخدام السلطة. وتتطلب معالجة هذا التجاوز الالتزام بتوضيح وتحديد الاختصاصات وفقًا للقوانين والأنظمة، وضمان تطبيق مبدأ المواجهة والدفاع، والمراقبة الإدارية والقضائية.
تعريف التجاوز: هو خروج عن نطاق السلطات والصلاحيات المحددة لكل موظف أو جهة إدارية في القانون أو اللوائح التنظيمية. ويعتبر عيبًا في القرار الإداري، حيث أن قواعد الاختصاص تتعلق بالنظام العام ولا يجوز الاتفاق على تجاوزها.
وتجاوز الاختصاصات في الحكومة هو مصطلح يُستخدم لوصف الحالة التي تتجاوز فيها سلطة أو هيئة حكومية معينة صلاحياتها المحددة لها بموجب الدستور أو القوانين أو اللوائح. هذا التجاوز يمكن أن يحدث في مختلف المستويات الحكومية، سواء كانت على المستوى الفيدرالي أو المحلي، ويمكن أن يتخذ أشكالًا متعددة،[15] مثل:
التداخل والتجاوز: تداخل وتجاوز المهام الاختصاصات هي مشكلة إدارية أو تنظيمية في مكان العمل أو في إطار مؤسسي معين. ويمكن أن يؤدي إلى العديد من المشاكل، مثل:
كي يتم حصر وتعريف وتحديد الاختصاصات المطلوبة لمؤسسات الدولة وتوزيعها التوزيع المناسب وبأسلوب علمي، لا بُدَّ أن تنطلق هذه الاختصاصات من مجموعة مبادئ إدارية أساسية لعل من أهمها:[18]
وهنا يمكن القول، إنه من الضروري حصر وتعريف وتحديد اختصاصات كل مؤسسة عامة لكي يتم تفادي التنازع والتضارب والازدواجية في المهام. وذلك لأن تنازع الاختصاصات يقود دائمًا إلى صراعات وآثار سلبية، وسهولة التهرب من المسؤولية، ويشير إلى وجود خلل جوهري في التنظيم الإداري وتوزيع الأدوار، وسيقود حتمًا إلى فشل العمل المؤسسي الذي يعتبر أحد أهم ركائز الدولة.
وعليه، فإن الحل الأساسي والضروري لهذه الإشكالية هو الاهتمام بصياغة النصوص النظامية والقانونية؛ صياغة تُعرف وتوزع وتُحدد الاختصاصات بشكل بسيط وواضح لا يحتمل التأويل ولا التفسير، وقبل كل هذا، لا بُدَّ أن تنطلق هذه الاختصاصات من المبادئ الأساسية للإدارة العلمية وخصوصًا السبع التي ذكرت أعلاه.
تجاوز الاختصاصات من قبل السلطات في الحكومة يعد انتهاكا للضوابط الدستورية والقانونية، وتؤدي إلى عواقب وآثار سلبية متعددة نبين هنا عدد منها. ثم نطل على عدد من الآليات التي عالجت بها عدد من الدول هذه الظاهرة.
يترتب على تجاوز الاختصاص في العمل الإداري بطلان هذا العمل للتعدي على مبدأ المشروعية واهتزاز ثقة المواطن بالمؤسسات الحكومية، وتتعرض هذه الأعمال أو القرارات للإلغاء من قبل القضاء وقد يترتب عليها تعويضات مالية لمن تضرر منها: الحكم الصادر حديثًا من المحكمة الإدارية بصنعاء في يوم الأحد 21 صفر 1433 هـ الموافق 150/1/2012 بإلغاء القرار الصادر من القائم بأعمال رئيس حكومة تصريف الأعمال (المقالة) بتعيين وكيل مساعد للشؤون المالية والإدارية لقطاع الشؤون المالية والإدارية بوزارة العدل حيث جاء في حيثياته: (وحيث أن تلك الدعوى قد تطرقت إلى القول بأن المنصب الذي صدر فيه القرار المطعون فيه ليس موجودًا في هيكلة الوزارة ما سمي وكيل مساعد مما جعل ذلك مخالفة للائحة التنفيذية بوزارة العدل .. ناهيك على أن القرار صدر من قبل مجلس الوزراء وليس وفقًا لما تطلبه نص المادة (30/ب) من قانون الخدمة المدنية قرار جمهوري، أضف إلى ذلك أن الحكومة في تاريخ صدور القرار كانت حكومة تصريف أعمال لا يحق لها التعيين أو العزل حتى تشكيل حكومة جديدة حسبما نص عليه قرار رئيس الجمهورية رقم (24) لسنة 2011 وتاريخ 20/3/2011 المتضمن إقالة الحكومة مما جعل القرار معيبًا بعيب عدم الاختصاص والشكل ومخالفة القانون واستنادًا إلى ذلك وإعمالًا لأحكام الشريعة الغراء فإن المحكمة الإدارية بأمانة العاصمة تصدر حكمها بما يلي: إلغاء القرار الصادر من القائم بأعمال رئيس مجلس الوزراء رقم (31) لسنة 2011 لعدم مشروعيته.[19]
وأجمع عدد من الباحثين والمختصين المهتمين[20] بإصلاح الإدارة العامة، على الأثر السلبي الناتج عن تجاوز الاختصاصات في الحكومة، والذي يمكن أن يؤدي إلى:
يجوز للإدارة كقاعدة عامة أن تتدخل في أي وقت لتعديل أو لتغيير القواعد التي تحكم المرفق حتى تكون مسايرة للظروف الاجتماعية والاقتصادية المتطورة، لما في ذلك من تحقيق للمصلحة العامة.[23] بهدف معالجة التدخل والتجاوز في الاختصاصات ضمان احترام المشروعية وحماية المصلحة العامة وتتمثل حماية المشروعية في ضرورة التأكد من التزام جميع الوحدات الإدارية بممارسة اختصاصاتها دون تجاوز أو تداخل فيما بينها والتزامها بالقواعد القانونية دستورية كانت أو قانونية أو لائحية.
هناك العديد من التجارب الدولية الناجحة التي يمكن الاستفادة منها في معالجة مشكلة تجاوز الاختصاصات في الإدارة العامة. وهذه التجارب الدولية يمكن الاستئناس بها وقد توفر رؤى قيمة ومعلومات مفيدة لمعالجة مشكلة تجاوز الاختصاصات في الإدارة العامة في اليمن، استقيناها من عدد من المواقع منها على سبيل المثال:
1. سنغافورة: تعتبر سنغافورة نموذجًا رائعًا في إدارة الشؤون الحكومية ومنع تجاوز الاختصاصات. وأنشأت لجنة «التنسيق المؤسسي» للفصل في النزاعات بين الجهات الحكومية. تعتمد على تقارير تحليلية دورية لتقييم كفاءة توزيع المهام. ونذكر بعض العوامل التي ساهمت في نجاح تجربة سنغافورة:
2. الدنمارك: تعتبر الدنمارك أيضًا نموذجًا رائعًا في إدارة الشؤون الحكومية ومنع تجاوز الاختصاصات. نعدد بعض العوامل التي ساهمت في نجاح تجربة الدنمارك:
3. نيوزيلندا: تعتبر نيوزيلندا نموذجًا رائعًا في إدارة الشؤون الحكومية ومنع تجاوز الاختصاصات. وهناك بعض العوامل التي ساهمت في نجاح تجربة نيوزيلندا:
ومن أبرز ما قامت به نيوزيلندا:
4. ماليزيا: في منع تجاوز الاختصاصات بين الوزارات والجهات تعتبر ماليزيا نموذجًا رائعًا في إدارة التنمية والاستقرار السياسي. فقد استطاعت تحقيق معدلات نمو عالية وفرض نفسها كدولة نامية ناجحة، ويعود الفضل في ذلك إلى عدة عوامل مهمة:
هذه العوامل مجتمعة ساهمت في جعل ماليزيا نموذجًا يحتذى به في مجال التنمية والاستقرار السياسي. يمكن للعديد من الدول حول العالم، وخاصة الدول العربية، الاستفادة من هذه التجربة الناجحة.
5. الولايات المتحدة: وضعت لجنة هوفر سنة (1947-1949) (273) توصية ركزت على إعادة تنظيم الأجهزة التنفيذية لتقليل الازدواجية.
6. كندا:
7. المملكة المتحدة: أنشأت لجنة وزارية دائمة للفصل بين الوزارات والإدارات العامة، اعتمدت على معايير قانونية وسياسات عامة في إصدار الأحكام.
8. الإمارات العربية المتحدة: أنشأت لجنة «فض المنازعات الحكومية» بإشراف رئاسة مجلس الوزراء، والتي تتسم قراراتها بالسرعة والفعالية، وهي ملزمة لكافة الجهات.
9. السعودية:
ختامًا، يمكن تلخيص أبرز العوامل التي ساعدت الدول في التخلص من هذه المشكلة وتخفيف آثارها بالتالي:
بسبب ما يطبع الإدارة العمومية اليمنية من تعدد وغموض وتداخل وتجاوز المهام والاختصاصات، أفقيًا على مستوى وزارات وهيئات ومؤسسات الدولة ورأسيًا على مستوى كل جهة ووحدة إدارية بوحدها، وعلى مستوى المركزي والمحلي، ووصول حالة التضخم الهيكلي والتشريعي إلى مستويات كبرى لا يمكن تجاهلها، فقد بلغ عدد الوحدات الإدارية للدولة أكثر من 350 وحدة،[24] وبلغت التشريعات المنظمة للإدارة العامة بالمئات.
وقد اتسمت التشريعات الحكومية المنظمة لعمل جهاز الإدارة العامة بالتقادم، وغياب اللوائح التنظيمية ولوائح التوصيف الوظيفي. ووجود تعارض وازدواج في العديد من تلك التشريعات، فعلى سبيل المثال تظهر الدراسات أن هناك العديد من القوانين واللوائح، تصل إلى ما يزيد عن ثمانين تشريعًا، التي تتعارض مع تشريعات السلطة المحلية.[25] وهو ما جعل الموظفين في حالة ارتباك، وأتاح فرصة الاجتهاد في تفسير النصوص وأدى إلى انتشار الفساد.[26]
ومع ظهور الرغبة لدى صانع القرار السياسي اليمني لإصلاح وضع الإدارة العامة، بإعادة هيكلة الحكومة بصنعاء (حكومة التغيير والبناء) وتقليصها إلى 19 وزارة فقط، حيث تم دمج الوزارات ذات الاختصاص الموضوعي الواحد وهي خطوة رئيسة لإصلاح جهاز الإدارة العامة بتحديد الاختصاص ومنع تعدده وتداخله، وشكلت اللجنة العليا للدمج برئاسة رئيس الوزراء، التي لا تزال تعمل بطريقة غير صحيحة حيث أعلنت أنها أنجزت حتى يوم 5 أغسطس 2025 (أثناء كتابة هذا البحث) عدد من اللوائح المنظمة لعمل الوزارات، بالمخالفة للمعمول به حيث يتوجب البدء بتعديل القوانين ثم نقوم بتعديل اللوائح، لكي لا يخالف الأدنى الأعلى ويُلغى لعدم الدستورية.[27]
سنتناول في هذا المبحث من الدراسة الحالة اليمنية، وسيكون ذلك في مطلبين، الأول: أسباب ومظاهر التداخل بالاختصاص في اليمن، والثاني: الإصلاح الهيكلي والتشريعي للاختصاص.
من أهم أسباب مشكلة التداخل والتجاوز في الاختصاصات في اليمن:
1. تغليب السياسي على الإداري:
2. الاختلال التشريعي:
الفجوة بين التشريع والتطبيق: فقد حددت المادة (66) من الدستور اليمني أن مجلس النواب هو السلطة التشريعية للدولة وهو الذي يقر القوانين، كما أعطى الدستور بالمادة (120) يصدر رئيس الجمهورية بناء على اقتراح الوزير المختص وبعد موافقة مجلس الوزراء القرارات واللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين وتنظيم المصالح والإدارات العامة، على ألا يكون في أي منها تعطيلًا لأحكام القوانين أو إعفاء من تنفيذها... إلى آخره.[29]
السلطة التشريعية للدولة هي المختصة بإصدار القوانين، والحكومة مختصة بإصدار اللوائح وفقًا للمادة (129) من دستور الجمهورية اليمنية والحكومة هي الهيئة التنفيذية والإدارية العليا للدولة، وتتكون من رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء الأعضاء في مجلس الوزراء بموجب المادة (130) من الدستور، ومجلس الوزراء كوحدة واحدة مسؤول تضامنيًا أمام رئيس الجمهورية وأمام مجلس النواب بموجب المادة (123) من الدستور.[30]
وتنقسم اللوائح الإدارية إلى أنواع كثيرة، ذكر منها دستور الجمهورية اليمنية: اللوائح التنفيذية واللوائح التنظيمية، وتعريفها كالتالي:
وهنا يتضح لنا عدد من الأسباب الهامة التي تؤدي إلى تداخل الاختصاصات بين الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية وبأنه قانوني وتشريعي، يمكن تلخيصها كالتالي:
تشهد حكومة صنعاء، شأنها شأن معظم الأنظمة الإدارية في الدول ذات البنى غير المستقرة، اختلالًا إداريًّا بنيويًّا يتجلى في التكرار الوظيفي الهيكلي وتضارب الاختصاصات بين الوزارات والهيئات والمؤسسات. هذه الظاهرة لم تعد مجرد خلل إداري تقليدي، بل تحوّلت إلى عائق إداري هيكلي حقيقي يهدد كفاءة الجهاز الحكومي، ويُفرغ فكرة المرفق العام من محتواها كمؤسسة تنموية تخدم المواطم بكفاءة وعدالة، ولعل من أبرز مظاهر التداخل في الاختصاصات في الإدارات اليمنية ما يلي:
1. التضخم التشريعي:
سبق لنا في مطلع الإطار التطبيقي للدراسة، أن أشرنا إلى أن الدراسات أكدت وجود تقادم وتعارض وتضارب وازدواج في التشريعات المنظمة للإدارة العامة باليمن، فعلى سبيل المثال هناك ثمانون تشريعًا تتعارض مع قوانين السلطة المحلية، وعلى ذلك قس، وبالاطلاع على منظومة التشريعات للإدارة العامة لليمن نجد أن هناك تضخم تشريعي فعلى سبيل المثال:
2. التضخم الهيكلي:
بحسب التقارير الحكومية فقد حيث وصلت الأجهزة الحكومية باليمن إلى 350 وحدة إدارية (وزارة وهيئة ومؤسسة وصندوق ومصلحة ومجالس عليا ولجان)[36] كل هذا خلف تركة ثقيلة من التخلف الإداري والاقتصادي للحكومة، ومن إفرازات واقع الإدارة العامة في هذا الخصوص، حالة التضخم الهيكلي، بروز ظاهرة وحدة الاختصاص مع التباين في نمط الأجهزة الإدارية سواء كانت هذه الأخيرة موازية لبعضها البعض في التصنيف العمودي للهيئات الإدارية، أو كانت خاضعة لنظام التوزيع التنازلي بين الفروع والكيانات القانونية العامة، حيث ينطوي ضمن هذه الشبكة النظامية سلطات إدارية عليا تعلو على سلطات إدارية أدنى، وعلى الرغم من محاولة النصوص التشريعية توزع الاختصاص بنوعية المكاني والزمني، إلا أن تشارك وتشابك العلاقات الإدارية داخل الإدارة العامة قد يؤدي إلى تدخل هيئة إدارية في اختصاص هيئة إدارية أخرى، ولعل أبرز مثال على ذلك تدخل وزير معين في صلاحيات وزير آخر لتشابه بعض القطاعات الوزارية في المهام.[37] ففي موضوع المياه مثلًا تتشابك (وزارة المياه والبيئة ووزارة الزراعة وهيئة الموارد المائية ومؤسسة المياه والصرف الصحي وهيئة تنمية مياه الريف والسلطة المحلية) في ذات الموضوع، هنا تبرز أهمية تحديد المهام والأهداف بوضوح في علم الإدارة، حيث إن لكل وحدة إدارية اختصاصاتها ما يمنع الازدواجية والتضارب في تنفيذ المهام على اعتبار أن من أسباب تدني الإنتاجية في أي منشاة هو تداخل الاختصاص بين الوحدات الإدارية، المفضي إلى إعاقة الإنجاز وظهور مؤشرات الصراع بين أطقم الهياكل التنفيذية للمؤسسات العمومية.
ونذكر هنا انه تم إعادة هيكلة الوزارات في حكومة البناء والتغيير بصنعاء لتقليل الازدواجية وتداخل الاختصاصات هو برنامج حقيقي لتطوير القطاع الحكومي، يهدف لتحسين أداء الوزارات، والمؤسسات الحكومية، وتوجيهها للعمل نحو الأهداف الاستراتيجية المتوسطة وبعيدة المدى. ونحن بدورنا نشد على يد القيادة للمضي في هذا النوع من التوجه المحمود والإصلاح المطلوب. لأن تحقيق واستدامة النمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي والسياسي في اليمن يعتمد بشكل أساسي على مقدرة وفعالية إدارة الوزارات والمؤسسات الحكومية للسياسات والبرامج التنموية المختلفة، بهدف رفع معدل الرفاهة الاجتماعية ومستوى إحساس الفرد بالأمان.
إن الدستور اليمني واضح فقد حدد في المادة (130) بأن «رئيس مجلس الوزراء والوزراء مسؤولون بالتضامن أمام رئيس الجمهورية وأمام البرلمان عن تنفيذ السياسة العامة للحكومة، وكل منهم مسؤول مسؤولية فردية أمام الرئيس والبرلمان عن أداء واجباته وممارسة صلاحياته». وبسبب التداخل والازدواجية في عمل الأجهزة الحكومية، تتنصل كل جهة من القيام بما هو مطلوب بحجة أنها تقع في اختصاص جهات أخرى وبالأخص عندما يتطلب الموضوع اتخاذ أي قرار مهما كان نوعه. إن استمرار مثل هذا التداخل يعني في أبسط صوره أنه: (1) لا يوجد تعاون بين الوزراء. (2) الوزراء يبحثون عن الروتين الطويل والممل حتى لا يرتكبوا أي خطأ يؤدي إلى عزلهم. (3) عدم القدرة على إنهاء المشروعات المفتوحة التي تخدم المجتمع وتزيل المعاناة حيث أنها تتطلب اتخاذ قرارات. (4) تعقيد تقديم الخدمات بما يصعب الحياة اليومية للمواطنين في التعامل مع أجهزة الدولة.
حكومة صنعاء الحالية في اليمن تواجه تحديات عديدة تؤثر على فعاليتها ونجاحها. تجاوز الاختصاصات في اليمن يمكن أن يظهر في عدة مجالات، خصوصًا في النظام القضائي والإداري. ونعطي مثال لبعض المظاهر الرئيسية للتجاوز بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية كل من جهته:
من المهم أن يتم تعزيز الرقابة والمساءلة لضمان عدم تجاوز الاختصاصات وضمان احترام الحقوق والحريات. كما يرى بعض الفقهاء - ونحن لا نختلف معهم - بإنه يمكن حل هذا التداخل عن طريق التمييز بين ثلاث حالات:[38] إذا قصد المشرع من إناطة الاختصاص للهيئة الإدارية الخاصة منع تدخل الهيئة الإدارية العامة في ذلك، كما في إنشاء شرطة سكك الحديد في فرنسا كي تختص بمسائل الأمن والسلامة الصحية داخل سكك الحديد فليس للهيئة الإدارية العامة عند ذاك مثل المحافظ أو رئيس البلدية إصدار أي قرار يتعلق بسكك الحديد. كما يرى بعض الفقهاء أن تدخل الهيئة الإدارية العامة في اختصاص الهيئة الإدارية الخاصة يكون ممكنًا إذا كان ذلك مكملًا لها، ويضرب مثالًا على ذلك الحكم الصادر من مجلس الدولة الفرنسي في قضية (لوتيسيا) في 18 كانون الأول 1959 التي أجيز فيها للعمدة أن يتدخل بمنع عرض فيلم سينمائي حصل على موافقة وزارية بسبب الطابع غير الأخلاقي للشريط ووجود ظروف محلية تمنع من عرضه.
وفي البعد الوطني ومشروعية النظام فان انتهاك اختصاص السلطة القضائية يعد جريمة يعاقب عليها القانون ولا تسقط بالتقادم وفقًا لمواد الدستور الفصل الثالث السلطة القضائية (149-154). أما في البعد الدولي فقد وضعت الجمعية العام للأمم المتحدة سبعة مبادئ يتعين توافرها في السلطة القضائية في الدولة حتى يمكن وصفها بأنها تتمتع بالاستقلال المنشود. وهذه المبادئ هي:[39]
وفقًا لأحكام الدستور النافذ، لا يجوز لأي سلطة التنازل عن كل أو بعض اختصاصاتها المنصوص عليها في الدستور والقانون، كما لا يجوز لها التدخل في اختصاصات سلطة أخرى. وقد تضمن الدستور اليمني الحالي 162 مادة موزعة على خمسة أبواب، أبرزها الباب الثالث الخاص بتنظيم سلطات الدولة (المواد 62-154)، حيث يضم ثلاثة فصول: الفصل الأول للسلطة التشريعية (المواد 62-104)، والفصل الثاني للسلطة التنفيذية (المواد 105-144) الذي ينقسم بدوره إلى ثلاثة فروع؛ الأول لرئاسة الجمهورية (106-128)، والثاني لمجلس الوزراء (129-144)، والثالث لأجهزة السلطة المحلية (145-148). أما الفصل الثالث فقد خُصص للسلطة القضائية (المواد 149-154).
وفي ما يتعلق بتعدي القضاء على الاختصاص الأصيل للإدارة، نلاحظ صدور عدد من الأحكام القضائية عن المحكمة الإدارية بصنعاء خالفت القانون الواجب التطبيق، وتجاوزت حدود السلطة التنفيذية لتحل محلها. فقد حكمت هذه المحكمة بتعيين موظفين وأعضاء هيئة تدريس في الجامعة، في حين أن هذا الاختصاص يعد أصيلًا للجامعة نفسها. إذ تحكم الجامعات منطلقات قانونية خاصة نص عليها القانون رقم (18) لسنة 1995 بشأن الجامعات اليمنية وتعديلاته، ولائحته التنفيذية الصادرة بالقرار الجمهوري رقم (32) لسنة 2007، حيث تحدد هذه النصوص آليات تعيين عضو هيئة التدريس وتنظم مسؤولياته وواجباته وحقوقه وإنهاء خدمته. وبذلك تكون المحكمة قد تجاوزت اختصاصها المقرر بالرقابة على المشروعية والإلغاء، إلى ممارسة رقابة الملاءمة، وهو ما يشكل خروجًا على حدود وظيفتها القضائية.
إن عملية الإصلاح لظاهرة التداخل في الاختصاصات تتطلب الاهتمام لمسألة ترشيد بنيات واختصاصات إدارات الدولة، حينما اعتبرت أن إصلاح الهياكل الإدارية هو بمثابة الوسيلة الفعالة للقيام بإصلاح جذري، وذلك بإعادة النظر في البنيات التي يرتكز عليها نشاط النظام الإداري، عن طريق تحديد اختصاصات الوزارات وتنظيمها وتوزيع الاختصاصات بين الوحدات الرئيسة على المستويين المركزي والمحلي، وذلك لتجنب الازدواجية في العمل. نكلف الحكومة بالعمل على تصحيح كافة الاختلالات في المجال الإداري وإلغاء الازدواج الوظيفي.
في هذا المطلب نطرح عدد من الرؤى لمعالجات ظاهرة التداخل والتجاوز في الاختصاص في فقرتين: تنظيم الإدارة العامة بإعادة الهيكلة، إصلاح التشريعات المنظمة.
تداخل الاختصاصات وتضخم المؤسسات التي وصلت إلى 350 وحدة إدارية بحسب التقرير السابق ذكره، يعوقان تفعيل الإدارة العامة في اليمن. ففي الإدارة اليمنية هناك تداخل وازدواج في الأنشطة، وهناك أنشطة في الأجهزة لا رابط ولا تنسيق بينها، وهناك عدم وضوح في الأهداف التي يراد تحقيقها. وتمت التوصية بإعادة التنظيم على مبدأ جمع الخدمات والنشاطات المتماثلة وإزالة الازدواج، وتقليص عدد الأجهزة التنفيذية بما يزيل تضخم تلك الأجهزة مع التركيز على توافر الفاعلية في أدائها والتنسيق في نشاطاتها والخدمات التي تقدمها، ما يوجب العمل على إعادة النظر ودراسة الهيكلية الإدارية والتنظيمية لأجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة، والتركيز على تقليص التضخم في الأجهزة والمؤسسات الذي أفرزته الأوضاع السابقة. أن الهيكل الإداري السابق للدولة لم يكن مبنيًا على أساس إداري صحيح وإنما مبنيًا على تقسيم الحقائب الوزارية بين الأحزاب السياسية المتنفذين ذوي الولاءات الضيقة والمقربين من صناع القرار. تحجيم التوسع في إنشاء الوحدات الإدارية والاقتصادية المستقلة التابعة لوحدات الجهاز الإداري للدولة للحد من شتات نطاق الإشراف تقليلًا للنفقات، وتلافي تدني مستوى الإنتاجية في أية إدارة يتم التداخل بين الاختصاصات بين الوحدات الإدارية، الذي يعيق العمل، ويخلق الصراع في الإدارات بعضها مع بعض، وبين الأشخاص القائمين على العمل في المنشأة الواحدة، وجد انه وحتى الآن هناك تداخل بين الإدارات. وهذه الإشكالية يفترض أن تحل ويتم تحديد الاختصاصات وعدم التداخل بينهما.[40] وذلك من خلال تجميع الأنشطة المتجانسة في تقسيمات واحدة وتلافي ازدواج أو تداخل الاختصاصات بين مختلف الوحدات الإدارية، وتمكين الموظفين من الأداء المتميز عن طريق محاسبتهم على النتائج وإشراكهم في صنع القرارات وإكسابهم المهارات وتوفير بيئة العمل الملائمة لهم. ويصاحب إعادة هيكلة الوزارات الاهتمام بالموظف اليمني عن طريق إعطائه الأجر الكافي للمعيشة في ظل العدوان والحصار ثم إعادة تدريبه وتأهيله، وإكسابه مهارات جديدة، ورفع معدلات الأداء والإنتاجية له، وتزويده بالإمكانات التي تساعده على أداء وظيفته.
تعتبر الهياكل الإدارية مجموعة من الوحدات المنظمة تهدف إلى ترجمة الاستراتيجيات والسياسات العمومية، وتسهيل وتيسير تنفيذ البرامج والمشاريع. واعتبارا لذلك فإن هذه الوحدات يجب أن تتلاءم مع المهام الحديثة للإدارة لتمكينها من الاستجابة لمتطلبات بيئتها وتلبية حاجيات المرتفقين.
بإعادة النظر في أهداف إنشاء الهيئات والمؤسسات العامة وضبط معايير التقسيم الإداري للهيئات والمؤسسات وغيرها من الهيئات الإدارية واستمرار إعادة الهيكلة فيها وفقًا لهيكل الحكومة الجديد بما يساهم في ترشيق التضخم الحاصل وتكرس الفصل المرن في الاختصاص الحائل دون حصول الاشتراك في تنفيذ المهام على نحو منع تأثر التداخل في الاختصاص والتعاون في استكمال الجوانب التنظيمية الناقصة أو معالجة التداخلات في ظل الظروف الاستثنائية والعبء الكبير، من الأمور التي تسهل تنفيذ المهمة وتحد من تفاقمها، حيث أن ثقافتنا تحثنا على الإصلاح الإداري وأن نكون سباقين في هذا. كما تحثنا في المستوى نفسه على المزيد من الاحترام المتبادل، والمزيد من التنسيق، ليقوم كلٌ بدوره، لا سيما أن الموقف حاليًا في بلادنا موقف جهادي وإخوان على الجهاد وكسر العدوان، حتى لا تُفهم بعض التصرفات غير المقصودة بشكل خاطئ.[41]
إن عملية تنظيم إدارات الدولة يتطلب وضع معايير محددة وإطارًا مرجعيًا واضحًا، يستجيب للتطورات التي عرفها هذا المجال، وكذا المتطلبات الملحة لإدارات الدولة في إعادة هيكلة مصالحها بالسرعة والمرونة التي تقتضيها الحاجيات المتجددة للمرافق العمومية على المستويات المركزية والجهوية والإقليمية، وبالاستناد إلى أنماط جديدة في تدبير الوحدات الإدارية وجملة من القواعد التي يقوم عليها التدبير الحديث كالتحسيس بالمسؤولية والقرب من المواطن والشفافية وجودة المرفق العام.
وانسجامًا مع ذلك، يتعين على الحكومة إعداد قانون ينظم قواعد عمل القطاعات الوزارية والهيئات العامة، ويحدد المبادئ الأساسية لترشيق البنية الإدارية، مع مراجعة النصوص المتعلقة بإعادة الهيكلة والمصادقة عليها. ولتحقيق الأهداف المنشودة، ينبغي أن تتم عملية إعادة الهيكلة مع مراعاة:
بعد الإصلاح الهيكلي المشكلة ستستمر طالما وان القوانين واللوائح غير متناسقة، فهي تؤدي إلى تكرار الصلاحيات خاصة في ظل ضعف التنسيق المؤسسي الذي يجعل كل جهة تعمل بمنظورها الخاص دون رؤية تكاملية من الجهات الأخرى الأمر الذي يتطلب معالجات قانونية وتشريعية، ما يعني معه البدء بمراجعة التشريعات لتعديل القوانين واللوائح وعمل مشاريع قوانين جديدة.
وبالنظر إلى أهمية مرحلة النصوص المنتظمة لاختصاصات الوزارات، فإنه يتعين تتبع هذه المرحلة بعناية وباستمرار من طرف اختصاصيين في التنظيم الإداري باتصال مع المسؤولين عن مختلف الإدارات، ولهذا وجب إسناد مهمة إعداد تلك النصوص إلى رجال القانون مختصين يجمعون بين الكفاءة والتجربة والمعرفة القانونية اللازمة.[42]
ومن أجل تجاوز هذه الأزمة في التداخل في الاختصاصات فإنني أرى أن يسند إلى وزارة الشؤون القانونية بإعداد مشروع وطني يحدد فيه اختصاصات كل إدارة على حده، وبالنسبة لتحديد الاختصاصات الداخلية فيوكل بها إلى الإدارة العامة للشؤون القانونية الموجودة حاليًا في كل وزارة يمنية.[43]
ولهذه الغاية فإن توضيح الاختصاصات الإدارية يجب أن ينصب بالخصوص على تحديدها بدقة من خلال النصوص، وذلك بتعريف الصلاحيات المخولة لكل هيئة وكل عون عمومي حتى تكون كل سلطة إدارية على بينة بالدقة والوضوح اللازمين بكافة الصلاحيات التي تدخل ضمن اختصاصاتها، وأن تحقيق هذا الهدف يجعل من الضروري وفي مرحلة أولى بأعمال مبدأ التخصص الوزاري الذي بموجبه يتم التمييز بين مختلف الوحدات الإدارية. خاصة في الحقبة المعاصرة حيث أصبحنا نشهد تكاثر الوزارات التقنية التي تتجه المهام الموكول إليها إلى التداخل والتقارب من بعضها البعض، لذا فأن كل وزارة يجب أن تتوفر لديها فكرة واضحة ومحددة بدقة عن المهمة الموكول إليها، ومن ثم فإنه يستحسن اللجوء إلى استعمال المذكرات التوضيحية والدوريات الداخلية الموجهة والمفسرة للنصوص للوصول إلى أفضل استغلال ممكن لتلك النصوص. والتالي تحقيق توزيع أمثل للاختصاصات حتى يتم تفادي كل تداخل ممكن وكل تنازع فيما بينها سواء داخل الوزارة أو بين وزارتين أو أكثر.
البدء بعمل مشاريع قوانين جديدة وتعديل القوانين المنظمة والمتعلقة بالوزارات السابقة للتعديل الحكومي والدمج لحكومة أغسطس 2024 قبل البدء بإعداد اللوائح المنظمة لأن الترتيب النسقي رأسيًا للمنظومة القانونية تبدأ بالدستور أعلى الهرم ثم يليه القانون ثم يليه اللوائح، ويجب ألا يخالف الأدنى الأعلى وإلا وصم بالبطلان لعدم الدستورية.
فالدستور هو القانون الأسمى الذي ينشئ وينظم السلطات العامة في الدول ويحدد اختصاص كل سلطة وكيفية ممارستها لاختصاصها، كما يقرر حقوق والتزامات الأفراد وحرياتهم، كما أنه يقوم بتحديد البناء الاجتماعي والاقتصادي للدولة، يبدأ تحديد الاختصاصات من الفصل بين السلطات بالدستور.
اللجوء إلى التحكيم الحكومي كوسيلة عاجلة لفض الاشتباك والتداخل في الاختصاص وفق قانون قضايا الدولة ولائحته التنفيذية بعد تعديله وفق إعادة الهيكلة للحكومة في أغسطس 2024، وتعريف التحكيم الحكومي: آلية لتسوية النزاعات بين الجهات الرسمية داخل الدولة، غالبًا ما تكون ذات طابع إداري أو تنظيمي، وتستند إلى مرجعية قانونية محددة. ويوُعد التحكيم الحكومي أحد الأدوات الإدارية الحديثة التي يمكن أن تسهم في تنظيم العلاقة بين أجهزة الدولة، وتجنب التداخل في المهام والاختصاصات. وقد أثبتت التجارب الدولية أن تنظيم التحكيم الداخلي بين الجهات الحكومية يرفع كفاءة الأداء، ويُعزز حوكمة القطاع العام. ومن هنا، توصي هذه الدراسة بتفعيل هذا النظام وفق أسس قانونية ومؤسسية واضحة لضمان التنفيذ الفعلي والعادل. فهي من آليات حل الإشكالات التي تظهر كنزاع اختصاص بين جهتين بالدولة، آلية التحكيم الحكومي لحل ظاهرة التداخل والتجاوز في المهام والاختصاصات بالجهات الحكومية بالدولة، وفقًا لأحكام مواد القانون واللوائح التنفيذية والتنظيمية المقرة.
ويمكن للتحكيم الحكومي أن يساهم للحد من التداخل والتجاوز في الاختصاصات داخل القطاع الحكومي، فالتحكيم بشكل عام وسيلة قانونية بديلة ويمكن للتحكيم الحكومي أن يكون أداة لحل الخلافات والنزاعات الحكومية الناتجة عن التجاوز والتداخل في الاختصاصات بين الجهات الحكومية المختلفة والتي تشكل معضلة تعيق تنفيذ السياسات العامة وتحد من فعالية العمل المؤسسي واتخاذ القرارات اللازمة والمناسبة من الجهة صاحبة الاختصاص الأصيل في وقتها المناسب وذلك لوجود أكثر من جهة تدعي الحق في ذلك مما يؤثر سلبًا على سير العمل الحكومي بالشكل المطلوب.
ويمكن للتحكيم الحكومي أن يكون واحدًا من الحلول والمعالجات ولكي يؤدي التحكيم الحكومي دوره في حل هذه المشكلة ينبغي أن يستند إلى منظومة حكومية وألية واضحة ومحدده وهيئة مستقلة تعنى بالتحكيم الحكومي، من خلال مراجعة قانون قضايا الدولة[44] ولائحته التنفيذية[45] وإضافة مهمة جديدة للمكتب القانوني وتعزيز وضعه وارتباطه برئاسة الوزراء أو رئاسة الجمهورية وتجديد مهامه بالإضافة للمهام الموجودة واعتماده مسار تحكيمي حكومي إلزامي قبل اللجوء إلى الجهات القضائية.
كما يستدعي الأمر مراجعة دورية للتشريعات الحكومية وقوانينها ولوائحها، بإشراف المكتب القانوني، لضمان وضوح الاختصاصات وتجنب التداخل بينها. ويُتوقع أن يسهم التحكيم الحكومي في تخفيف العبء عن القضاء، وتحسين مستوى التنسيق بين الأجهزة، وتعزيز الثقة المؤسسية، وتقليل النزاعات المتكررة، إضافة إلى ضمان التفسير الحيادي للتشريعات واللوائح.
ومن المهم أيضًا إلزام الجهات الحكومية بإجراءات التحكيم الداخلي في المكتب القانوني قبل رفع أي نزاع اختصاصي إلى القضاء، مع دعم المكتب القانوني بكادر أكاديمي متخصص، وتدريب الكوادر القانونية والإدارية على مبادئ التحكيم وحوكمة الاختصاص.
مع تبين من جوانب هامة في ثنايا الدراسة، نظيف في الخاتمة عدد من النتائج، والتوصيات كما يلي