ملخص
يتناول البحث دراسة شاملة للمنظومة العدلية من حيث مفهومها ومكوناتها وأهميتها
وأطرافها وآلية عملها ومتطلباتها، وأساليب التطوير والتجارب العالمية، مع التركيز على العدالة الانتقالية كآلية
لمعالجة آثار النزاعات وتحقيق المصالحة، وأتمتة القضاء كوسيلة لتعزيز الكفاءة والشفافية، وتعزيز الاستقلال كشرط
لضمان عدالة نزيهة وفاعلة.
كما يستعرض البحث أبرز التجارب العالمية الناجحة في تطوير المنظومة العدلية،
وإمكانية تطبيقها في اليمن.
ويخلص البحث إلى أن إصلاح المنظومة العدلية في اليمن يتطلب استراتيجية شاملة تركز
على تحديث التشريعات، وبناء قدرات مؤسسية، وتبني التقنيات الحديثة، وتوفير ضمانات دستورية وقانونية لاستقلال
القضاء، بما يضمن تحقيق العدالة الناجزة وتعزيز ثقة المجتمع بالدولة.
كلمات مفتاحية: عدالة، أتمتة، استقلال، تطوير المنظومة العدلية، اليمن، تجارب عالمية.
Abstract
This research undertakes a comprehensive study of the judicial
system in terms of its concept, components, significance, approaches, and mechanisms of operation, as well
as its requirements and methods of development, drawing on global experiences. The study focuses on
transitional justice as a mechanism for addressing the effects of conflicts, achieving reconciliation,
securing judicial digitalization, and reinforcing efficiency and transparency, while consolidating judicial
independence as a prerequisite for ensuring justice that is effective and credible.
The research further explores prominent global experiences that have
succeeded in developing judicial systems and examines the feasibility of applying such experiences in Yemen.
The research concludes that reforming the judicial system requires a comprehensive strategic vision centered
on legislative modernization, institutional development, adoption of modern technologies, and the
establishment of constitutional and legal safeguards to protect judicial independence, thereby ensuring the
delivery of effective justice and enhancing society's confidence in the state.
Keywords: Justice, Automation, Independence, Judicial system Development, Yemen, Global Experiences.
1. الإطار العام
1-1. مقدمة
تعد المنظومة العدلية الركيزة الأساسية التي تقوم عليها الدول الحديثة، إذ تمثل الإطار المؤسسي
والقانوني لضمان سيادة القانون وتحقيق العدالة وحماية الحقوق والحريات، ومع التطورات العالمية المتسارعة، باتت
العدالة بحاجة إلى آليات جديدة تضمن الكفاءة والشفافية، وفي مقدمتها العدالة الانتقالية التي تهيئ المجتمعات
الخارجة من النزاعات للسلام والمصالحة وأتمتة القضاء بما يعزز من فاعلية الأداء وجودة الخدمات، وتعزيز استقلال
القضاء باعتباره الضامن الأساسي لحماية العدالة من التدخلات.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية دراسة التجارب العالمية التي نجحت في تطوير منظوماتها مثل تجارب
المغرب وسنغافورة وكندا والإمارات وغيرها لما تحمله من دروس عملية يمكن الاستفادة منها في السياق اليمني الذي
يجد صعوبات وتحديات على مستوى البنية التشريعية والمؤسسية والقضائية.
2-1. أهمية البحث
يبرز البحث دور المنظومة العدلية في تحقيق العدالة وتعزيز سيادة القانون، وإيضاح العلاقة بين
العدالة الانتقالية واستقرار المجتمعات الخارجة من النزاعات، وبيان أثر الأتمتة والتحول الرقمي في رفع كفاءة
وشفافية المنظومة العدلية، وبيان تعزيز استقلال القضاء، كذلك الاستفادة من التجارب العالمية في تطوير المنظومة
العدلية وتطبيقاتها في اليمن.
3-1. إشكالية البحث
تتمثل إشكالية البحث في التساؤل الرئيس التالي:
- كيف يمكن تطوير المنظومة العدلية في اليمن بما يحقق العدالة الفاعلة والناجزة في ضوء
العدالة الانتقالية والأتمتة، وتعزيز استقلال القضاء مع الاستفادة من التجارب العالمية؟
والذي ينبثق عنه عدد من الأسئلة الفرعية، أهمها:
- ما واقع المنظومة العدلية في اليمن وتحدياتها الحالية؟
- ما دور العدالة الانتقالية في بناء الثقة واستعادة السلم الاجتماعي؟
- كيف يسهم التحول الرقمي في تعزيز كفاءة القضاء وتقليل الفساد الإداري؟
- ما الدروس المستفادة من التجارب الدولية التي يمكن موائمتها مع الواقع اليمني؟
4-1. المنهجية والأقسام
أما المنهج الذي اتبعته، فهو المنهج الوصفي التحليلي التتبعي، وحاولت الالتزام
بالاشتراطات رغم تشعب الموضوع، باستخدام أسلوب الاختصار وبما لا يخل بتحقيق الفائدة، وتجنبت التكرار
للمعلومات في أكثر من موضع والاكتفاء بتناولها في موضع واحد.
وقد قسمت الدراسة إلى محورين، وهما:
- المحور الأول: المنظومة العدلية: عدالة انتقالية، أتمتة، تعزيز، استقلالية.
- المحور الثاني: المنظومة العدلية في اليمن.
- إضافة إلى مقدمة وملخص وخاتمة.
2. المحور الأول: المنظومة العدلية
1-2. تمهيد
العدالة مطلب اجتماعي على مر العصور، وتحقيق العدالة يستلزم تضافر جهود عديدة، فقد سعت
الدول في العصر الحديث إلى التفكير في إطار يحقق العدالة، بما يراعي شكل الدولة وسلطاتها، ولذلك أنشئت
المنظومة العدلية.
المنظومة العدلية ركيزة هامة للدولة الحديثة ولها مكانة هامة في بناء الدولة وفي صياغة
النظام العام كونها الإطار الذي يضمن تجسيد النصوص القانونية على أرض الواقع، ويكفل تحقيق الأمن
القانوني والاجتماعي.
2-2. ماهية المنظومة العدلية
طبيعة المنظومة العدلية ومكوناتها وأهدافها اقتضى تعدد تعريفاتها، نذكر منها:
- مجموعة من المؤسسات القانونية والقضائية والتنفيذية التي تعمل بشكل متكامل،
وتتولى تطبيق القانون وتحقيق العدالة وحماية الحقوق والحريات.
- الإطار المؤسسي والتشريعي والإجرائي الذي يضم الأجهزة والجهات ذات الصلة
بإقامة العدل وضمان سيادة القانون.
- مجموعة متكاملة من الأجهزة والمؤسسات والقوانين والإجراءات التي تعمل بتكامل،
بضمان تحقيق العدالة وسيادة القانون.[1]
ومن خلال هذه التعاريف يتضح الآتي:
- أ. تعريف المنظومة فقهيًا: هي مجموع القواعد والأنظمة والمؤسسات التي تُعنى
بتحقيق العدالة وتنظيم الفصل في المنازعات.
- ب. تعريف المنظومة عمليًا: هي شبكة مترابطة من السلطات (القضائية) والأجهزة
(الشرطة، السجون) والمؤسسات (المعهد العالي للقضاء) والتشريعات التي تنظم عملها.[2]
ومن كل ما سبق، يتبيّن أن المنظومة العدلية:
- تمثل الهيكل المؤسسي والقانوني الذي يضمن تطبيق العدالة، وتوفير آلية فعالة لحل النزاعات
بشكل سلمي وعادل، وتعمل على تحقيق التوازن بين سلطة الدولة وحقوق الأفراد.
- تشمل جميع الجهات التي تسهم في العملية القضائية، بدءً من صياغة القوانين وانتهاءً بتنفيذ
الأحكام.
- تضم السلطة التشريعية والقضائية والشرطة والأجهزة الأمنية والهيئات الرقابية وغيرها من
الأجهزة المساندة.
3-2. أهمية المنظومة العدلية
الأهمية التي تحتلها المنظومة العدلية تنبع من الوظيفة التي تؤديها وانعكاس ذلك على
المجتمع والدولة، ويتضح ذلك في الآتي:
- هي الأساس الذي يحقق الاستقرار ويحمي الحقوق ويضمن تطبيق القانون بعدالة.[3]
- المنظومة العدلية ليست مجرد مجموعة من المؤسسات والإجراءات، بقدر ما هي نسيج متكامل يضمن
استقرار المجتمع وتقدمه.[4]
- نظام متكامل من القيم والقوانين والإجراءات التي تحافظ على توازن الدولة وتحميها من الفوضى.
كما أن العلاقة بين هذه العناصر تكاملية، فهي تعمل كوحدة مترابطة، لضمان عدالة فعالة
وشاملة، فالأهمية
تحدد بالأهداف وتتحقق عبر آليات العمل، وترتكز على المتطلبات، وهذه العناصر تتطلب تنسيقًا
محكمًا بينها،[5]،[6] وسأتناولها فيما يلي:
1-3-2. أهداف المنظومة العدلية
تتعدد أهداف المنظومة العدلية وتتكامل لإرساء دولة القانون والمؤسسات، وتنبع من التلازم
بين آليات العمل وتطوير المنظومة، وسأبين أهم الأهداف بعد تقديم تعريف واضح للأهداف، كالتالي:
«هي الغايات والمقاصد التي تسعى المنظومة العدلية إلى تحقيقها، من خلال مكوناتها بما يضمن
العدالة وحماية الحقوق وتحقيق الأمن».
كما يمكن تعريفها بأنها: «مجموعة من المقاصد الإستراتيجية التي تحدد الاتجاه العام لعمل
المنظومة العدلية، وتشكل الإطار العام الذي تُبنى عليه التشريعات والإجراءات والأنظمة، بحيث تعكس وظيفة
القضاء في حفظ النظام وتحقيق العدالة.»[7]
فالأهداف تنبع من أهمية المنظومة، وترتبط بمدى كون العدالة من ركائز الدولة.
- في الشريعة الإسلامية: تتوافق أهداف المنظومة العدلية مع مقاصد حفظ الدين
والنفس والعقل والعرض والمال.
- في القانون: تنسجم مع المبادئ الدستورية والمواثيق الدولية لحقوق
الإنسان.[8]
أما أهم أهداف المنظومة العدلية فيمكن تلخيصها بالتالي:
- تحقيق العدالة وإتاحة الوصول إليها: تمكين كل فرد من الحصول على حقوقه، عبر
إجراءات عادلة وشفافة.
- حماية الحقوق والحريات: ضمان حماية الحقوق الدستورية والقانونية، مثل حق
التعبير وحق الملكية وحق الدفاع، والتصدي لأي انتهاكات تطالها.
- تعزيز سيادة القانون: تطبيق القانون على الجميع، وأن يشعر الجميع أنهم سواء
أمام القانون.
- تعزيز استقلال القضاء: جعل القضاء سلطة قائمة بذاتها لا تخضع إلا للقانون،
وحماية القضاة من التدخلات.
- ضمان الشفافية والمساءلة: ترسيخ ثقافة الشفافية والمساءلة في مؤسسات الدولة،
والتصدي لجرائم الفساد المالي والإداري.
- الفصل في المنازعات: إيجاد حلول قضائية لجميع النزاعات، ومعالجة الخصومات بطرق
سلمية ومنظمة بعيدًا عن الثأر أو العنف.
- تعزيز الثقة في القضاء: رفع مستوي الثقة في القضاء ومؤسسات الدولة.[9]
2-3-2. آليات عمل المنظومة العدلية[10]
الآليات هي الوسائل والإجراءات والنظم المؤسسية التي تتخذها السلطات المعنية لتطبيق
القوانين والفصل في النزاعات وتنفيذ الأحكام، وضمان تحقيق العدالة على أرض الواقع.
كما أنها وسائل تنفيذ الأهداف، وهي الجانب العملي لتطبيق المنظومة العدلية، حيث تحول
المبادئ والقوانين إلى ممارسات وإجراءات عملية تحقق سيادة القانون وحماية الحقوق. وهي ليست غاية في حد
ذاتها، بقدر ما هي أدوات عملية لتحقيق الأهداف التي وضعتها المنظومة العدلية.
أما العلاقة بين الآليات والأهداف، فهي علاقة وسيلة وغاية، فكل آلية تصمم لتخدم هدفًا
محددًا أو أكثر، ونجاح المنظومة العدلية يعتمد على تكامل هذا الآليات، بحيث تدعم بعضها بعضًا، لتحقيق
أهداف العدالة بكفاءة.[11]
عناصر آليات عمل المنظومة العدلية:
- الآليات التشريعية: تقوم بإعداد وصياغة القوانين واللوائح، ومراجعة التشريعات
وتحديثها، ووضع الضمانات الإجرائية في القوانين.
- الآليات القضائية: تتضمن إجراءات التقاضي من رفع الدعوى حتى صدور الحكم، وأيضا
وسائل الطعن في الأحكام.
- الآليات التنفيذية: تنفيذ الأحكام القضائية ومتابعة تنفيذ القرارات والأوامر
القضائية، وتنظيم التواصل بين السلطة القضائية والأجهزة الأمنية والتنفيذية.
- الآليات الرقابية والتأديبية: تتمثل في التفتيش القضائي والإداري، وتقييم أداء
القضاة وأعضاء النيابة، وإجراء المساءلة والتأديب لضمان النزاهة.
- الآليات المساندة: تساهم الأجهزة المساندة للمنظومة العدلية في تحقيق أهداف
المنظومة.[12]،[13]
3-3-2. مكونات المنظومة العدلية
المنظومة العدلية مجموعة من الأجهزة والمؤسسات التي تعمل على تحقيق العدالة، وهي بناء
متكامل، تضم الأجهزة والجهات ذات الصلة بإقامة العدل وضمان سيادة القانون.
والأركان الرئيسية للمنظومة العدلية تتكون من السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية
والأجهزة التأديبية والرقابية والأجهزة المساندة.[14]
ويختلف تصنيف الهيكل التنظيمي لمكونات المنظومة العدلية وتوزيع الاختصاصات بحسب النظام
القانوني لكل دولة. إلا أن التصنيف العام يوزع السلطات والمهام بين المكونات حسب طبيعة مهامها، وذلك كما
يلي:
- المكون التشريعي: البرلمان أو مجلس النواب، اللجان القانونية.
- المكون القضائي: المحاكم بمختلف درجاتها، النيابة العامة، مجلس القضاء الأعلى،
وزارة العدل، المعهد العالي للقضاء.
- المكون التنفيذي للعدالة: الشرطة والأجهزة الأمنية، أجهزة إنقاذ القانون
وتنفيذ الأحكام، السجون ومؤسسات الإصلاح.
- المكون التأديبي والرقابي: التفتيش القضائي والرقابي، مجالس التأديب، هيئات
مكافحة الفساد.
- المؤسسات المساندة: مكاتب المحاماة، هيئات التحكيم، مراكز الإصلاح.
كما يضطلع كل مكون من المذكورة سابقًا بمهام محددة بشكل خاص، ولكنها تعمل كوحدة مترابطة
ومتكاملة، بما يحقق العدالة وسيادة القانون في الدولة والمجتمع. ومهام كل مكون تتمثل في الآتي:
- التشريعي: إصدار القوانين وتعديلها ومراقبة أداء الحكومة في الجانب العدلي.
- القضائي: الفصل في المنازعات والتحقيق ورفع الدعاوى وتطبيق القانون، الرقابة على دستورية
القوانين، الإشراف على حسن سير العدالة، تأهيل وتدريب الكادر القضائي.
- التنفيذي: تنفيذ الأحكام القضائية، حفظ الأمن والنظام العام، إعادة تأهيل المحكومين.
- التأديبي والرقابي: محاسبة القضاة وأعضاء النيابة العامة، والمحامين عل المخالفات المهنية
والأخلاقية، ضمان النزاهة والشفافية.
- المؤسسات المساندة: تمكين الأفراد من الدفاع عن حقوقهم، مساعدة القضاء في حل
المنازعات.[15]
4-3-2. متطلبات المنظومة العدلية
متطلبات المنظومة العدلية تمثل الشرط المسبق لعمل المنظومة، فهي بمثابة البنية التحتية
التي تدعم آليات العمل وتحدد قدرتها على تحقيق الأهداف، فإذا أختل أي مطلب انعكس ذلك سلبًا على كفاءة
الأداء وجودة العدالة، متطلبات المنظومة العدلية هي:
- المقومات والشروط الأساسية التي لا بد من توافرها لضمان قيام المنظومة بكفاءة وفاعلية،
وتتمكن من تحقيق أهدافها في خدمة الدولة والمجتمع.
- تمثل الأساس البنيوي الذي تبنى عليه التشريعات والإجراءات وآليات العمل، بحيث يضمن سلامة
الأداء وعدالة المخرجات.
- كل ما تحتاجه المنظومة من مقومات قانونية، بشرية، مادية، تنظيمية، تقنية، لتعمل بكفاءة مثل
(استقلال القضاء، وجود تشريعات واضحة، كادر مؤهل، بنية تحتية، ميزانية، تكنولوجيا).[16]
أما عناصر متطلبات المنظومة العدلية فهي:
- المتطلبات القانونية والتشريعية: وجود دستور واضح يحدد مبادئ العدالة وسيادة
القانون، وينظم السلطة القضائية ويضمن استقلالها، قوانين متكاملة ومحدثة تلبى احتياجات المجتمع وتكون
مرنه وقابلة للتطوير، لوائح إجرائية تضمن العدالة والشفافية.[17]
- المتطلبات المؤسسية والتنظيمية: هيكل تنظيمي واضح للمكونات، تحديد الصلاحيات
والاختصاصات للمكونات، استقلال القضاء عن السلطات الأخرى، أنظمة إدارية فعالة لإدارة الموارد والملفات
القضائية، إنشاء أجهزة رقابية فعالة لمنع الفساد وضمان المحاسبة.[18]
- المتطلبات البشرية: كوادر قضائية وقانونية مؤهلة علميًا ومهنيًا، التدريب
المستمر للقضاة وموظفي المحاكم، اختيار الكفاءات على أساس النزاهة، تحفيز الكوادر بتوفير رواتب عادلة
وحوافز مهنية، الالتزام بالسلوكيات القضائية وأخلاقيات المهنة.
- المتطلبات المادية والفنية: بنية تحتية مناسبة مزودة بالتقنيات الحديثة، أنظمة
أتمتة وإدارة قضايا إلكترونية، أرشفة رقمية للمستندات والملفات، موارد مالية كافية لتغطية الاحتياجات،
وسائل اتصال فعالة بين الجهات العدلية المختلفة.
- المتطلبات القيمية والأخلاقية: ترسيخ قيم النزاهة والحياد والاستقلال، التزام
بمبادئ حقوق الإنسان.[19]،[20]
5-3-2. تطوير المنظومة العدلية
التطوير عملية تحديث مستمرة، تربط بين الأهداف والآليات والمكونات، وتعمل على تحسين الكفاءة
والفعالية، ويمكن تلخيص أبرز أهدافه كالتالي:
- التطوير عملية شاملة لإصلاح وتحديث مؤسسات العدالة، يهدف إلى رفع وكفاءة الأنظمة القضائية،
وتحسين الأداء القضائي وضمان تحقيق العدالة.
- يقوم التطوير على مبدأ الاستجابة لمتطلبات المجتمع ومواكبة التطورات المحلية والدولية.
- التحديث يشمل النصوص القانونية والهياكل المؤسسية والكوادر البشرية والوسائل التقنية
والإجراءات العملية.
كما أن التطوير والتحديث يعدّ من أبرز التحديات التي تواجه الدول، بما
يحقق الأهداف وفق آليات العمل. وإذا كانت التجارب العالمية تتخذ مسارات متعددة للتطوير والإصلاح، إلا أن
هذه المسارات تختلف في منهجها وتركيزها، ولكنها تتفق في الأهداف الأساسية.[21]،[22] أما أبرز أساليب تطوير
المنظومة العدلية، فهي:
- التطوير التشريعي والقانوني: تحديث القوانين واللوائح لتواكب المستجدات
الاجتماعية والاقتصادية، مراجعة النصوص لضمان وضوحها وعدم تعارضها، ضمانات حماية الحقوق والحريات وتعزيز
استقلال القضاء.
- التطوير المؤسسي والتنظيمي: إعادة هيكلة المحاكم والنيابات لتوضيح الصلاحيات
والاختصاصات، وضع نظم إدارية فعالة لإدارة القضايا والملفات القضائية، تحسين آليات الرقابة والتقييم
لمراقبة الأداء القضائي.
- التطوير البشري: تدريب القضاة وأعضاء النيابة وموظفي المحاكم على أحدث
الأساليب القانونية والإجرائية، تأهيل الكوادر على استخدام التقنيات الحديثة، تعزيز الأخلاقيات المهنية
والنزاهة القضائية.
- التطوير التقني والمادي: استخدام التكنولوجيا القضائية (المحاكم الإلكترونية،
الأرشفة الرقمية) تطوير البنية التحتية للمحاكم والمرافق العدلية، توفير الموارد المالية الكافية لضمان
استمرارية العمل القضائي.
- التطوير الثقافي والمجتمعي: رفع الوعي المجتمعي بأهمية العدالة وحقوق الإنسان،
تشجيع المجتمع على استخدام الوسائل البديلة لتسوية النزاعات (الصلح، التحكيم)، تعزيز الثقة بالمؤسسات
القضائية عبر الشفافية والإعلام القضائي.[23]
- كيفية التطوير:
- التقييم الشامل: دراسة الوضع الراهن للمؤسسات العدلية، وتحليل نقاط القوة والضعف والتحديات.
- الإصلاح التشريعي: تحديث القوانين وإدخال تشريعات حديثة بما يلبي احتياجات المجتمع ويواكب
التطورات، وإزالة التعارض وسد الثغرات القانونية، وسن قوانين للإجراءات الإلكترونية ومكافحة الفساد.
- تعزيز القدرات المؤسسية: تطوير البنية التحتية للمحاكم ومؤسسات الإصلاح، وإدخال أنظمة
إلكترونية لإدارة القضايا.
- رفع كفاءة الموارد البشرية: تطوير القدرات البشرية ورفع كفاءتها، تدريب القضاة وأعضاء
النيابة وموظفي التنفيذ وتزويدهم بالمعرفة للتعامل مع القضايا الحديثة والمعقدة من خلال برامج التأهيل
المستمر والتنظيم الدوري.
- تعزيز الشفافية والمساءلة: إنشاء آليات رقابة فعالة، وتطبيق معايير النزاهة والحياد.[24]
6-3-2. التجارب العالمية في تطوير المنظومة العدلية
التطوير بالأساس هو عملية تفاعل مع التجارب العالمية والاستفادة منها، ومن التجارب:
- تجربة المغرب: تمثلت أساليب التطوير في إطلاق الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة 2013،
تعزيز استقلال القضاء بإنشاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية، تبني العدالة البديلة (الوساطة، التحكيم،
الصلح) حيث تم رقمنة الإجراءات القضائية، تحديث البنية التحتية للمحاكم، تكوين وتأهيل القضاة والمحاميين.
- تجربة سنغافورة: بناء منظومة قضاء ذكي رقمي بالكامل، إلزام الوساطة قبل رفع بعض القضايا،
تقليص مدد الفصل في القضايا حيث قامت باستثمارات كبيرة في البنية الرقمية، برامج تدريب على التكنولوجيا
القضائية، ربط القضاء بالأهداف الاقتصادية والاستثمارية للدولة.
- تجربة كندا: تبنّي العدالة التصالحية خصوصًا مع المجتمعات الأصلية، إنشاء محاكم متخصصة
(أسرية – تجارية - بيئية) للشعوب الأصلية، إشراك المجتمع المدني في إصلاح العدالة. كما تم تطوير تشريعات
خاصة بحقوق الأقليات، اعتماد برامج إعادة التأهيل للسجناء، وتعزيز الشفافية عبر نشر الأحكام إلكترونيًا.
- تجربة الإمارات: بناء محاكم رقمية ذكية، إنشاء محاكم متخصصة (تجارية – عقارية - أحوال
شخصية) تبسيط الإجراءات وتقديم الخدمات عبر التطبيقات الذكية. حيث تم إدماج الذكاء الاصطناعي في بعض
العمليات القضائية، ومد شراكة مع منظمات دولية لتحديث التشريعات، وتنفيذ برامج تدريب وتأهيل قضائي مستمرة.
- تجربة هولندا: اعتماد القضاء المجتمعي القريب من المواطن، التوسع في العدالة الإلكترونية،
إدخال العدالة التصالحية كخيار رسمي في النظام القضائي. مما جعل إجراءات التقاضي أكثر بساطة وسرعة. كما تم
توظيف التكنولوجيا لتقليل تكاليف العدالة، وتفعيل التعاون بين القضاء والمجتمع المدني لتقليل النزاعات.
[25]،
[26]،
[27]
4-2. المنظومة العدلية والعدالة الانتقالية
العدالة الانتقالية نهج قانوني سياسي، تتبعه المجتمعات التي مرت بحروب ونزاعات، وتعرضت
للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وتهدف إلى معالجة آثار النزاعات والانتهاكات، والانتقال من حالة
النزاع أو الاستبداد إلى مجتمع أكثر عدلًا، فهي مقاربة متكاملة تركز على الضحايا وتسعى لتحقيق المصالحة
ومنع تكرار الانتهاكات في المستقبل. وسأتناول في التالي تعريف العدالة الانتقالية والمبادئ التي تسعى
إلى تحقيقها وآليات عملها.
1-4-2. تعريف العدالة الانتقالية
عرفت بعدة تعاريف نذكر منها:
- مجموعة من التدابير القضائية وغير القضائية التي تعتمدها الدول الخارجة من نزاعات مسلحة أو
أنظمة استبدادية، لمعالجة أرث الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
- الطرائق والآليات القضائية وغير القضائية، على الصعيدين الوطني الدولي، التي يتم تبنيها
لمعالجة الانتهاكات الماضية الواسعة النطاق، وذلك بهدف إحقاق العدالة، وتحقيق المصالحة الوطنية، ومنع تكرار
الانتهاكات. [28]
- وتسمى انتقالية، لأنها تُمارس في مرحلة انتقالية من الحرب إلى السلم، أو من الاستبداد إلى
الديمقراطية، وتهدف إلى إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع.[29]
2-4-2. المبادئ الأساسية للعدالة الانتقالية
العدالة الانتقالية ليست شكلًا من أشكال العدالة، وإنما هي تكييف للعدالة لتناسب
المجتمعات التي تمر بمرحلة تحول من النزاع أو القمع إلى السلام.
والعدالة الانتقالية تستند إلى عدة مبادئ تهدف إلى تحقيق المصالحة الشاملة، والمبادئ هي:
- كشف الحقيقة: الكشف عن الحقائق الكاملة للانتهاكات التي حدثت وتوثيقها
والاعتراف بها علنا، وتوثيقها وتحديد المسؤولين عنها.
- المحاسبة: ضمان مسألة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
- جبر الضرر وتقديم التعويضات: تقديم التعويضات للضحايا عن الأضرار التي لحقت
بهم، عبر أشكال متعددة.
- إصلاح المؤسسات: إعادة هيكلة المؤسسات التي تورطت في الانتهاكات أو فشلت في
منعها، وضمان التزامها بحقوق الإنسان وسيادة القانون، لضمان عدم تكرارها في المستقبل.
- المصالحة: المصالحة تعني بناء الثقة بين أفراد المجتمع ومؤسسات الدولة، وتعزيز
السلم الاجتماعي والتعايش السلمي. [30]
3-4-2. هيكل العدالة الانتقالية
العدالة الانتقالية تستند إلى الهيكل العدلي القائم، إلا أنها تنشئ هياكل موازية مؤقتة
تعمل بشكل تكاملي مع المنظومة العدلية. وذلك كون المنظومة العدلية تمثل البنية الدائمة وهي الآلية
الأساسية لتنفيذ العدالة الانتقالية، بينما العدالة الانتقالية تمثل البنية الاستثنائية المؤقتة.
والهيكل العام للعدالة الانتقالية يتكون من الآتي:
- هيئات مستقلة مؤقتة: لجنة أو هيئة وطنية للعدالة الانتقالية.
- لجان الحقيقة والمصالحة: لجان تعمل على كشف الحقيقة وتوثيق الانتهاكات.
- صناديق جبر الضرر: تعمل تعويض الضحايا وإعادة تأهيلهم.
- لجان إصلاح المؤسسات: إعادة هيكلة القضاء والأمن بما يتوافق مع معايير حقوق الإنسان.
4-4-2. آليات عمل العدالة الانتقالية
تستخدم العدالة الانتقالية مجموعة متنوعة من الآليات القضائية وغير القضائية وهي:
- الآليات القضائية: محاكمات خاصة أو مختلطة (محلية أو دولية) لمحاسبة المسؤولين
عن الجرائم، تعزيز عمل المحاكم الوطنية لاستيعاب ملفات الانتهاكات.
- آليات الحقيقة: إنشاء لجان الحقيقة والمصالحة لتوثيق الانتهاكات والاستماع
للضحايا والجناة.
- آليات الإصلاح المؤسسي: إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية، وإصلاح القضاء
وضمان استقلاليته، وسن تشريعات تحمي حقوق الإنسان وتمنع الانتهاكات.
- آليات المصالحة المجتمعية: إطلاق مبادرات للحوار بين الأطراف المتصارعة، تعزيز
التسامح والعيش المشترك عبر برامج تربوية وثقافية.[31]
5-4-2. التجارب العالمية للعدالة الانتقالية
شهد العالم العديد من التجارب في مجال العدالة الانتقالية، تباينت في أساليبها ونتائجها،
وقدمت دروسًا قيمة في كيفية تعامل المجتمعات مع إرث الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وسأستعرض أبرزها:
- جنوب أفريقيا: تجربة جنوب أفريقيا من أبرز النماذج في هذا المجال، خاصة فيما
يتعلق بالمصالحة. فبعد تجاوز عقود من نظام الفصل والتمييز العنصري من عام (1948-1994)، أنشئت لجنة
الحقيقة والمصالحة، والتي سعت إلى كشف حقائق الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وتوثيق الأحداث. وقدمت
اللجنة توصيات بشأن برامج جبر الضرر للضحايا شملت التعويضات المادية وإعادة التأهيل البدني والنفسي ورد
الاعتبار. كما قدمت اللجنة مبدأ «العفو مقابل الحقيقة»، وتوصلت إلى المصالحة الوطنية بما يعزز الوحدة
بين جميع أطياف ومكونات المجتمع.
- الأرجنتين: تبنت الأرجنتين التركيز على المحاسبة الجنائية بعد فترة حكم عسكري
قمعي (1976-1983) عُرفت بالحرب القذرة، شهدت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان (الاختفاء القسري – التعذيب -
القتل الممنهج للمعارضين). تم عقبها عقد محاكمات جنائية ضد المسؤولين عن الانتهاكات، وشكلت لجنة الحقيقة
وهي لجنة وطنية معنية باختفاء الأشخاص، وتم إلغاء قوانين العفو التي كانت تحمي مرتكبي الجرائم، وهذا سمح
بمحاكمة المتورطين في الانتهاكات.
- راوندا: في العام 1994 شهدت راوندا إبادة جماعية راح ضحيتها ما يقرب من مليون
شخص في فترة وجيزة، وقد اتخذت راوندا نهجا فريدا للعدالة الانتقالية جمع بين المحاكمات الجنائية، وآليات
العدالة القضائية ركزت على العدالة التصالحية. كما أنشئت الأمم المتحدة (المحكمة الجنائية الدولية
لرواندا) لمحاكمة كبار المسؤولين عن الإبادة الجماعية، بالإضافة إلى محاكم «العاكاكا» والتي اختصت
بمحاكمة المواطنين المتورطين في الإبادة الجماعية، ولم تركز على العقاب بقدر التركيز على طلب المغفرة
والمصالحة المجتمعية.
- أمريكا اللاتينية: شهدت العديد من دول أمريكا اللاتينية، مثل تشيلي والأرجنتين
والأوروغواي والبرازيل فترات طويلة من الحكم العسكري الديكتاتوري في النصف الثاني من القرن العشرين،
اتسمت بانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب والاختفاء القسري. حيث تمثلت مقاربات العدالة
الانتقالية لهذه الدول في إنشاء لجان الحقيقة ولجنة الحقيقة والمصالحة في بيرو، بغرض الكشف عن
الانتهاكات وتوثيقها وتقديم توصيات بشأن جبر الضرر والإصلاحات المؤسسية، كذلك إجراء محاكمات جنائية،
كذلك إلغاء وتجاوز قوانين العفو عن منتهكي حقوق الإنسان، كذلك تم جبر الضرر وإصلاح المؤسسات الأمنية
والقضائية، لضمان عدم تكرار الانتهاكات مستقبلًا.[32]، [33]
5-2. المنظومة العدلية والأتمتة
التطور التكنولوجي والرقمي أظهر مدى ضرورة أتمتة القضاء، أي رقمنة العمليات القضائية
والإدارية، وتحويل إجراءات ومهام الجهات القضائية والإدارية المساندة لها من النظام الورقي التقليدي إلى
نظام إلكتروني متكامل، يعتمد على تقنيات المعلومات والاتصال، بهدف كفاءة العمل وتحقيق السرعة والشفافية.
1-5-2. تعريف الأتمتة
هي عملية إدخال التكنولوجيا الرقمية في جميع جوانب عمل المنظومة العدلية، ابتداءً من
تسجيل القضايا وحتى تنفيذ الأحكام، بما يشمل أرشفة الملفات، إدارة الجلسات، التبليغات، إصدار القرارات
إلكترونيًا، مع إمكانية الربط بين الجهات ذات الصلة.
إدخال التقنيات الرقمية (الحوسبة، الإنترنت، الذكاء الاصطناعي) في جميع مراحل العمل
القضائي: رفع الدعوى، الترافع، تبادل المستندات، النطق بالأحكام، تنفيذ القرارات.
2-5-2. أهداف الأتمتة
- تسريع الإجراءات: تقليل مدد الفصل في القضايا.
- رفع كفاءة العمل: تقليل الأخطاء البشرية.
- تعزيز الشفافية: إمكانية متابعة القضايا إلكترونيًا.
- تعزيز الاستقلال: الحد من التدخلات البشرية والإدارية.
- حفظ وأرشفة الملفات: حماية الوثائق من الضياع أو التلف.
- تسهيل الوصول للمعلومات: إمكانية البحث الفوري في القضايا والأحكام.
3-5-2. مجالات تطبيق الأتمتة في المنظومة العدلية
- تسجيل القضايا إلكترونيًا، عبر بوابة موحدة.
- الأرشفة الرقمية لجميع الوثائق والمستندات.
- التبليغات القضائية عبر البريد الإلكتروني أو الوسائل النصية.
- إدارة الجلسات عن بعد، باستخدام تقنية الفيديو لونفرنس.
- متابعة القضايا عبر الإنترنت من قبل المحامين والمتقاضين.
- ربط النيابة بالمحاكم والأجهزة الأمنية لتبادل المعلومات.
- إصدار الأحكام ونشرها إلكترونيًا.[34]
4-5-2. تحديات الأتمتة
تواجه أتمتة المنظومة العدلية تحديات نظرية، أبرزها:
- الحاجة إلى تشريعات تنظيم المعاملات الرقمية.
- التوازن بين السرعة وضمان حق الدفاع.
- حماية البيانات القضائية من الاختراق والتلاعب.
5-5-2. التجارب العالمية في أتمتة القضاء
اتخذت عدد من الدول نظام الأتمتة في نظامها القضائي، والذي ساهم في تسريع العدالة وتعزيز
الشفافية وتقوية استقلال القضاء، وسأتناول التجارب الآتية:
- سنغافورة (نظام التقاضي الإلكتروني):
- اعتمدت نظام تقاضي إلكتروني يتيح رفع الدعاوي وتبادل المستندات ودفع الرسوم ومتابعة القضايا
بشكل كامل إلكترونيًا، بما يحقق التكامل الرقمي بين مؤسسات العدالة.
- أدى هذا النظام إلى تقليل التدخلات في سير القضايا وتحقيق العدالة السريعة. وهو من أكثر
النماذج نجاحًا عالميًا.
- المغرب (المحكمة الرقمية): اعتمدت المغرب المحكمة الرقمية، حيث ركزت على رقمنة الخدمات
القضائية الأساسية، تسهيل رفع الدعاوى وتبادل المستندات إلكترونيًا، توفير خدمة التبليغ الإلكتروني عبر
البريد الإلكتروني والرسائل النصية.
- الإمارات (المحاكم الذكية): تجاوزت الرقمنة إلى القضاء الذكي والتقاضي عن بعد، حيث أنشئت
محاكم دبي الذكية، وقد أثبتت التجربة نجاحها خلال جائحة كورونا.
- هولندا (تسوية النزاعات عبر الإنترنت): استخدام الذكاء الاصطناعي في فض المنازعات الصغيرة
عبر الإنترنت، وهذا النظام يقترح الحلول بتسوية آلية بمساعدة الذكاء الاصطناعي، والذي يؤدي إلى تخفيف العبء
عن المحاكم التقليدية وترسيخ ثقافة التسوية الرقمية للنزاعات.
6-5-2. العلاقة بين الأتمتة والثقافة القضائية
العلاقة بين الأتمتة والثقافة القضائية تكاملية ومتبادلة التأثير، بحيث لا يمكن التحول
الرقمي ونجاحه في المنظومة العدلية إلا بوجود وعي وثقافة قضائية تدعمه وفي المقابل تسهم الأتمتة في رفع
مستوى هذه الثقافة لدى القضاة والمتعاملين مع العدالة.
فالأتمتة هي تحويل الإجراءات القضائية والإدارية إلى أنظمة إلكترونية ذكية تقلل من التدخل
البشري وتعتمد على التقنية. والثقافة القضائية هي مجموع المعارف والمفاهيم والقيم التي يمتلكها القضاة
والعاملون في المجال العدلي والجمهور حول النظام القضائي.
فالعلاقة بينهما تتمثل في كون الأتمتة تحتاج إلى ثقافة قضائية واعية والرفع من مستواها،
فالعلاقة تكاملية في تسريع العدالة والتأثير في سلوك العاملين في القضاء.[35]
6-2. المنظومة العدلية وتعزيز استقلال القضاء
1-6-2. مفاهيم
مفهوم استقلال القضاء يتدرج في المنظومة العدلية ضمن مكوناتها المؤسسية والقانونية
والإجرائية ومفهوم الاستقلال يتمثل في «الاستقلال المؤسسي» والذي تعبّر عنه النقاط التالية:
- قدرة السلطة القضائية على الفصل في القضايا دون تأثير خارجي من السلطة التنفيذية أو من جهة
أخرى.
- الاستقلال الشخصي قدرة القضاء على إصدار أحكامهم وقراراتهم وفق القانون ودون أي تدخل أو
ضغوط أو تأثير خارجي.
- أما مفهوم استقلال القضاء، فيشمل كل النقاط التالية:
- الاستقلال المؤسسي: عدم خضوع السلطة القضائية لتدخل أو تأثير السلطتين التشريعية
والتنفيذية.
- الاستقلال الوظيفي: تمكين القاضي من الفصل في القضايا وفق القانون وضميره دون أي ضغوط
خارجية.
- الاستقلال المالي والإداري: امتلاك القضاء موازنة مستقلة، وهيكل إداري ورقابة إدارية من
مجلس القضاء الأعلى.
2-6-2. أسس تعزيز استقلال القضاء
الأسس التي يستند عليها استقلال القضاء تتمثل في ضمانات وهي:
- الضمانات الدستورية والقانونية: النص على استقلال القضاء في الدساتير كسلطة
قائمة بذاتها، تحصين القضاة من العزل أو النقل التعسفي إلا وفق آليات منضبطة.
- الهيئات القضائية المستقلة: وجود مجلس أعلى للقضاء يتولى شؤون القضاة من تعيين
وترقية وتأديب، منع تدخل الحكومة في أعمال القضاة.
- الضمانات المالية والإدارية: تخصيص ميزانية مستقلة للسلطة القضائية وتوفير
مواد مالية مناسبة، ضمان الاستقرار الوظيفي، تمكين المحاكم من إدارة شؤونها بعيدًا عن نفوذ السلطة
التنفيذية.
- تأهيل القضاة وتطوير قدراتهم: التأهيل المستمر للقضاة على القوانين الحديثة
والمستجدات في القضاء، تعزيز الجانب الأخلاقي والسلوكي لحماية القضاة من المؤثرات والتدخلات.
- حماية القضاة من الضغوط واحترامهم: ضمانات لحماية الأمن الجسدي والاقتصادي
للقضاة وحمايتهم من التدخل والتأثير الداخلي والخارجي وتجريم ذلك ضمن قوانين العقوبات وقوانين أنظمة
القضاء، ضمان الحصانة في مواجهة الملاحقة والقبض.
- ترسيخ ثقافة احترام القضاء: نشر الوعي المجتمعي باحترام القضاء وأن ذلك احترام
للدولة والحقوق، إلزام السلطات الأخرى بتنفيذ الأحكام القضائية. [36]
3-6-2. العلاقة بين المنظومة العدلية واستقلال القضاء
يعمل استقلال القضاء ضمن إطار المنظومة العدلية، فاستقلال القضاء شرط أساسي لتحقيق أهداف
المنظومة العدلية، فالمنظومة العدلية المتطورة والمتكاملة توفر البيئة المؤسسية والقانونية التي تدعم
استقلال القضاء. كما أن المنظومة تؤطر لاستقلال القضاء من خلال القوانين والمؤسسات واللوائح الإدارية،
واستقلال القضاء يعزز مصداقية المنظومة العدلية ويجعلها أكثر فعالية في تحقيق العدالة. أي أنهما يشكلان
حلقة متكاملة، فاستقلال القضاء لا يمكن أن يتحقق إلا ضمن منظومة عدلية متطورة، وفي المقابل، المنظومة
العدلية لا تحقق أهدافها إلا إذا كان القضاء مستقلًا وحياديًا.
وتتضح فوائد هذه العلاقة التكاملية بين الطرفين في الآتي:
- الثقة في القضاء وأحكامه.
- حماية الحقوق والحريات الأساسية.
- تحسين سرعة وكفاءة الفصل في القضايا.
- زيادة فعالية القضاء في مكافحة الفساد.
4-6-2. المعايير الدولية لاستقلال القضاء
صنفت عدة مرجعيات وعقدت اجتماعات تمخض عنها معايير ومبادئ أساسية لاستقلال القضاء ومن هذه
المرجعيات التي تضمنت المبادئ:
- الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 1948: نصت المادة (10) على (لكل
إنسان الحق علي قدم المساواة التامة مع الأخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة ونزيهة).
- مبادئ الأمم المتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية: اعتمدت هذه المبادئ من قبل
الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1985م ونصت المادة (1) على (تكفل الدولة استقلال السلطة
القضائية، وينص عليه دستور البلد أو قوانينه، ومن واجب جميع المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة
القضائية).
- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: أكد العهد في المادة (14) علي
حق كل فرد في محاكمة عادلة وعلنية أمام محكمة مختصة مستقلة حيادية.
- مبادئ بانغلور بشأن سلوك الجهاز القضائي: صدرت هذا المبادئ عن اجتماع القضاة
والخبراء في مدينة بانغلور بالهند عام 2001 واعتمدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة في
العام 2006، وتمثل تطويرًا إضافيا وتكميلًا لمبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة
القضائية. والغاية منها أن استقلال القضاء لا يقوم فقط على النصوص الدستورية والقانونية، بل يحتاج إلى
قيم أخلاقية وسلوكيات قضائية لضمان استقلاله ونزاهته وحماية ثقة المجتمع في العدالة. والمبادئ التي تم
إقرارها: الاستقلال، الحياد، النزاهة، واللياقة (الاستقامة) المساواة، الكفاءة، الاجتهاد. والاستقلال
يعني: أن القاضي يجب أن يكون مستقلًا في عمله وقراراته، بعيدًا عن أي ضغط أو تأثير خارجي.[37]
3. المنظومة العدلية في اليمن
1-3. مفهوم المنظومة العدلية
المنظومة العدلية هي العمود الفقري للدولة الحديثة، وركيزة أساسية لضمان سيادة القانون
وحماية الحقوق والحريات، فهي الإطار المؤسسي والتشريعي والتنظيمي المتكامل ويتكون من السلطة القضائية
وأجهزتها والأجهزة التنفيذية والأجهزة المساندة من وزارات وهيئات فالمنظومة العدلية في اليمن جزء لا
يتجزأ من بنية الدولة.
وتكتسب المنظومة في اليمن أهمية خاصة بالنظر إلى ما مرت به البلاد من تحولات سياسية
وصراعات مسلحة أثرت على دور الدولة ومؤسساتها، وفرضت الحاجة إلى إصلاح عدلي شامل.
وتتقاطع عملية إصلاح العدالة في اليمن مع ثلاث مسارات أساسية: العدالة الانتقالية،
باعتبارها وسيلة لمعالجة انتهاكات الماضي، والأتمتة باعتبارها أداة لتطوير كفاءة النظام العدلي،
واستقلال القضاء كشرط جوهري لضمان حياد الأحكام وعدالتها.
2-3. مكونات المنظومة العدلية في اليمن
المنظومة العدلية في اليمن هي شبكه متكاملة من التشريعات والمؤسسات والآليات التي تعمل
على إقامة العدل وحماية الحقوق والحريات، ضمان سيادة القانون في المجتمع.
والمكونات الأساسية للمنظومة هي:
- السلطة القضائية، وتتكون من:
- المحاكم: بمختلف درجاتها وتشكيلاتها واختصاصاتها وهي) المحكمة العليا، محاكم الاستئناف
المحاكم الابتدائية، المحاكم المتخصصة محاكم الأحداث).
- النيابة العامة: هيئة قضائية تتولى التحقيق والإحالة في الجرائم وتحريك الدعوى الجزائية
وممارسة إجراءاتها ومتابعة تنفيذ الأحكام والقرارات الجزائية وجمع الأدلة وإبداء الرأي في الطعن في الأحكام
والقرارات الجزائية وغيرها.
- مجلس القضاء الأعلى: هو الجهاز المسؤول عن إدارة شؤون السلطة القضائية ورسم السياسة العامة
للقضاء والإشراف على تنفيذها، والعمل على تحسين وتطوير الأداء القضائي والحفاظ على الضمانات الممنوحة
للقضاة.
- هيئة التفتيش القضائي: هيئة مختصة بمراقبة أداء القضاة وضمان التزامهم بالقوانين والمبادئ
القضائية والتحقيق في شكاوى المواطنين.
- وزارة العدل وحقوق الإنسان: هي الجهاز الإداري التنفيذي التي تعنى بالشؤون الإدارية
والمالية والتقنية، وتوفير الموارد اللازمة للمحاكم والعمل على تحسين وتطوير وتحديث البنية التحتية بما يضمن
سير العملية القضائية بالتنسيق وإشراف مجلس القضاء الأعلى.
- المعهد العالي للقضاء: المعهد مؤسسة علمية قضائية تهتم بتكوين وتأهيل الملتحقين بالمعهد
تأهيلا قضائيًا علميًا وعمليًا تخصصيًا، كما يتولى التأهيل المستمر للعاملين في السلطة القضائية.
- الشرطة والأجهزة الأمنية: وهي إحدى المؤسسات التنفيذية التابعة للسلطة العامة، تضطلع بمهمة
حفظ الأمن والنظام العام وحماية الأرواح والممتلكات، وإنفاذ القوانين، وتقديم الدعم التنفيذي لقرارات وأحكام
القضاء.
- مصلحة السجون: تشرف على السجون وتنفيذ العقوبات السالبة للحرية، وأصبحت تتبع وزارة العدل
وحقوق الإنسان.
- الأجهزة المساندة: تنوع وتعدد ا لأجهزة المساعدة للمنظومة العدلية، وفى اليمن طبيعة الظروف
الاستثنائية التي تعيشها البلاد تقتضي وجود عدة جهات سواء كانت وزارات أو هيئات.
3-3. أهداف المنظومة العدلية
أهداف المنظومة العدلية تتمثل في الغايات العامة والوظائف الأساسية التي تسعى المنطوقة
إلى تحقيقها فهي مشروع مجتمعي شامل. وفي التجربة اليمنية للمنظومة العدلية، والتي انطلقت من الرؤية
الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة التي حددت التوجهات العامة وأولويات الإصلاح القضائي اليمني وركزت
المنظومة العدلية على عدة قضايا والتي اعتبرتها أهداف لعملها وهي:
- مراجعة القوانين: تعديل قوانين نافذة وإعداد مشاريع قوانين جديدة بما يتناسب مع متطلبات المرحلة.
- تصحيح المجال الأمني ومعالجة الاختلالات الأمنية وترسيخ العمل المؤسسي.
- تحسين وتطوير البنية التحتية لقطاعات ووحدات المنظومة العدلية.
- الربط الشبكي والأتمتة ورقمنة الإجراءات القضائية.
- تحسين وتطوير برامج التدريب والتأهيل والتوعية.
- تصحيح المسار العدلي بشقيه الفضائي والأمني.
4-3. آليات عمل المنظومة العدلية اليمنية
تشكلت المنظومة العدلية من الجهات القضائية والأمنية، والتي أوكل إليها الاهتمام والتنسيق
بشقيها القضائي والأمني، وأهتمت بالبناء المؤسسي والإصلاح والتطوير لأجهزة وقطاعات المنظومة العدلية بما
يواكب التطورات المتسارعة. وقد أعدت المنظومة مصفوفة الرؤية الوطنية لدراسة أوجه القصور والأسباب
والإشكاليات التي تعيق تحقيق العدالة ووضع الحلول والمعالجات المناسبة، والعمل بخطوات فاعلة وإجراءات
تنفيذية هامة، وفق مسارين: الأول: المواكبة وفق المتاح. والثاني: البناء المؤسسي للسلطة القضائية. كما
تم معالجة العديد من القضايا والاختلالات في المجالين القضائي والأمني، أبرزها:
- مراجعة القوانين وتعديل أخرى وإعداد مشاريع لبعض القوانين بما يوافق الاحتياج.
- الاهتمام بالبقاء المؤسسي والإصلاح والتطوير لأجهزة وقطاعات المنظومة العدلية بما يواكب
التطورات المتسارعة.
- تحسين وتطوير البنى التحتية لقطاعات ووحدات المنظومة العدلية.
- الاهتمام بمجالات الربط الشبكي والأتمتة.
- معالجة الاختلالات الأمنية والاهتمام بالسجون والسجناء وإصلاح أوضاعهم.
- معالجة القصور في الأداء الوظيفي.
- دعم التنسيق بين السلطة القضائية والأجهزة الأمنية والسلطة المحلية والمجتمع.
- الربط الشبكي بين أجهزة القضاء (المحاكم - النيابات) وكذلك إدخال برامج الدعوى الإلكترونية
في المحاكم الناشئة (محكمة الأوقاف - محكمة صنعاء الجديدة).
وإذا كانت المنظومة العدلية قد
شخصت الواقع وإشكالاته واختلالاته ووضعت الخطط والأهداف، إلا أن طبيعة المرحلة والإمكانات المتاحة وعدم
تناسبها مع الواقع، قد أظهرت مدى الحاجة إلى المزيد من الجهود في المعالجة والتطور.
5-3. تطوير المنظومة العدلية في اليمن
تطوير المنظومة العدلية: هي عملية إصلاح شاملة ومستمرة تستهدف تعزيز استقلال القضاء
وكفاءته، وتحسين البنية التشريعية والمؤسسية، وتحريك الإجراءات العدلية وتفعيل دور الأجهزة المساندة.
وتستند عملية التطوير إلى مبررات وهي:
- تعزيز ثقة المواطنين بالقضاء.
- حماية الحقوق والحريات وسيادة القانون.
- التكيف مع التحولات العالمية والآمنة والعدالة الرقمية.
- دعم الاستقرار السياسي والاجتماعي.
- دعم العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.
أما آليات تطوير المنظومة العدلية في اليمن فتتمثل في:
- تعزيز استقلال القضاء وتحييد القضاء عن الصراعات السياسية.
- إصلاح تشريعي وقانوني بتطوير القوانين ذات العلاقة وتحديثها.
- إدخال نصوص تنظيم التقاضي الإلكتروني والتحول الرقمي، وإنشاء نظام إدارة القضايا
إلكترونيًا.
- تحديث مناهج وآليات التطبيق والتدريب في المعهد العالي للقضاء ودعم التأهيل المستمر.
- الاهتمام بالبنية التحتية وتأهيل المحاكم والنيابات وتوفير الموارد اللازمة ورفع كفاءة
الكادر البشري بما يواكب التطورات.
- تحديث جهاز الشرطة وربطة إلكترونيًا بالنيابات والمحاكم، وتفعيل مدونة مأموري الضبط
القضائي.
- تحسين أوضاع السجون ومراكز الاحتجاز بما يضمن حقوق الإنسان.
- إنشاء بوابة عدلية موحدة لخدمات القضاء.
6-3. التجارب العالمية لتطوير المنظومة العدلية وتطبيقها على اليمن
سأتناول وسائل تطوير المنظومة العدلية في التجارب العالمية، ومدى الاستفادة منها في اليمن:
- تحديث التشريعات والقوانين.
- التكنولوجيا:
- التدريب والتأهيل المستمر:
- العدالة التصالحية:
7-3. العدالة الانتقالية في اليمن
العدالة الانتقالية من أهم الوسائل التي تعالج آثار النزاعات والانتهاكات الجسيمة لحقوق
الإنسان الناتجة عن الحروب والنزاعات الداخلية.
وفي اليمن ظهرت الحاجة إلى طرح موضوع العدالة الانتقالية بعد احتجاجات 2011 حيث تم إعداد
مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، وكان ذلك استجابة للاتفاق السياسي المبني على
المبادرة الخليجية. إلا أن القانون لم يلبي مطالب القوى السياسية وكذلك لم يتضمن الألية المتعارف
والمنصوص عليها دوليا، إذ خضع للرغبات السياسية وتطويع العدالة للسياسية.
فالعدالة الانتقالية تجمع بين الطابع القضائي والسياسي، والقانون قد غلبّ واقتصر على
الجانب السياسي في المصالحة الوطنية وأغفل ارتباط المصالحة بتحقيق أهداف العدالة الانتقالية والتي تعتمد
على المكاشفة والوضوح والمصارحة وجبر الضرر وكشف الحقيقة وإقامة الدعاوي الجنائية. وقد تم معارضة مشروع
القانون وتمثل الخلاف بين القوى السياسية ومُعدّي المشروع حول:
- آليات العدالة الانتقالية: افتقرت آليات العدالة الانتقالية في مشروع القانون
على الجانب التصالحي، والذي يعني تعزيز التوافق الاجتماعي والسياسي لتحقيق السلام والاستقرار، إلا أنه
أغفل الجانب الجنائي الذي يركز على المساءلة والمحاسبة الجنائية بوصفها آليه أساسية للعدالة.
- الفترة التي يغطيها القانون: طرحت عدة رؤى للفترة الزمانية التي يغطيها
القانون، وتمثلت الرؤى في تغطية القانون لما بعد ثورة سبتمبر 1962 والرأي الثاني ما بعد 1990، ولكن
المشروع أقتصر على العامين 2011 و2012.
1-7-3. تعريف مشروع القانون اليمني للعدالة الانتقالية
عرف المشروع العدالة الانتقالية في المادة (2) والتي نصت على العدالة التصالحية غير
القضائية للكشف عن الحقيقة وجبر ضرر الضحايا وحفظ الذاكرة الوطنية ومنع تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق
الإنسان في المستقبل.
2-7-3. التحديات التي تواجه العدالة الانتقالية في اليمن
نص مؤتمر الحوار الوطني (2013-2014) على مبادئ العدالة الانتقالية وتشكيل لجنة العدالة
الانتقالية والمصالحة الوطنية وأوصى بإنشاء صندوق لجبر الضرر للضحايا. إلا أن مشروع القانون لم يتم
إصداره بسبب ما ذكرناه سابقًا وكذلك:
- الانقسام السياسي والنزاع المستمر.
- غياب مؤسسات دولة موحدة.
- ضعف النظام القضائي واستقلاليته.
- فقدان الثقة والانقسام الاجتماعي.
- الفساد كعائق رئيسي أمام العدالة الانتقالية.
- نقص الموارد وصعوبة توفيرها.
[43]،
[44]
4. النتائج والتوصيات
1-4. النتائج
- المنظومة العدلية هي الأساس الضامن لتحقيق العدالة الناجزة وتعزيز ثقة المجتمع
بالدولة.
- العدالة الانتقالية تمثل الأداة لمعالجة الانتهاكات الماضية وبناء السلم
الاجتماعي.
- التحول الرقمي (الأتمتة) يعد وسيلة فعالة لتقليل الفساد الإداري وتسريع الفصل في
القضايا.
- استقلال القضاء يمثل الشرط الأساسي لإنجاح أي إصلاح عدلي وضمان نزاهة الأحكام.
- التجارب العالمية أثبتت أن التطوير العربي يحتاج إلى مزيج من التشريعات،
والتقنيات وبناء القدرات المؤسسية.
2-4. التوصيات
- وضع استراتيجية وطنية شاملة لإصلاح المنظومة العدلية تركز على
العدالة الانتقالية والأتمتة واستقلال القضاء، وتراعي ما تم إنجازه وتبنى عليه.
- تسریع أتمتة القضاء عبر أرشفة إلكترونية للقضايا وإنشاء محاكم رقمية وتفعيل
خدمات التقاضي عن بعد.
- إنشاء هيئة مستقلة للعدالة الانتقالية تتولى معالجة الانتهاكات السابقة، وإعادة
النظر في مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية ما يتناسب مع الواقع واستشراف المستقبل.
- الاستفادة من التجارب العالمية بما يعزز الإصلاح التشريعي والأتمتة واستخدام
التقنيات الرقمية، مع مراعاة الخصوصية اليمنية.
- تعزيز ثقة المجتمع بالقضاء من خلال الشفافية ونشر الثقافة القانونية وضمان الحق
في التقاضي وتبسيط إجراءات التقاضي.
- الاهتمام بالعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وتبني إعادة النظر في مشروع
القانون من خلال تشكيل لجان وورش عمل، والموضوع بحاجة إلى إفراده بدراسة مستقلة لأهميته.
3-4. خاتمة
يتضح من خلال البحث أن المنظومة العدلية تمثل العمود الفقري لأي دولة تعي لترسيخ العدالة
وحماية الحقوق والحريات، فهي ليست مجرد مؤسسات قضائية وتشريعات قانونية بل منظومة متكاملة تتداخل فيها
القيم والممارسات والهياكل التنظيمية. ونجاح أي إصلاح وتطوير عدلي يتوقف على ثلاث ركائز أساسية: العدالة
الانتقالية والأتمتة والتحول الرقمي واستقلال القضاء.
كما بينت التجارب العالمية أن إصلاح المنظومة يتطلب، تشريعات متطورة وقدرات مؤسسية وبنية
تحتية رقمية حديثة. أما في اليمن، فإن التحديات كبيرة لكن الإصلاح والتطوير يظل ممكنا من خلال الاستفادة
من تلك التجارب، وتكيفها مع خصوصية الواقع اليمني.